سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ثالث أكبر شركة لصناعة الطائرات الاقليمية في العالم . ديون "فيرتشايلد" تجبرها على إعلان إفلاسها والخضوع لإدارة المحكمة على رغم امتلاكها دفتر طلبيات يقارب 12 بليون دولار
تعتبر شركة "فيرتشايلد إيروسبايس كوروبويشن"، ثاني أكبر أربع شركات دولية لتصنيع الطائرات الاقليمية النفاثة والمروحية في العالم التي تعلن وقف عملياتها في أعقاب الاضطراب الذي تعرضت له صناعة الطيران التجاري في العام، بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر. وكانت الشركة التي سلّمت ما يزيد على 1400 طائرة متوسطة الهيكل، على مدى العقود الثلاثة الماضية، سعت إلى تطوير أنشطتها، من خلال نظم إنتاج وعمل وتسويق جديدة تكفل المرونة والفاعلية لمشاريع التطوير والانتاج التي تنفذها. إلا أنه يبدو أن حجم الدين الكبير الذي ترزح تحت وطأته حال دون استمرار المستثمرين في دعمهم لفكرة استمرار الشركة واضطرها إلى إشهار إفلاسها والخضوع لاشراف المحكمة. يصل حجم الطلبيات لدى "فيرتشايلد إيروسبايس كوروبويشن" إلى 7،11 بليون دولار حالياً، ومع ذلك فإن الحجم الكبير للطلبيات لم يمنع انهيار تجربة هذا المصنّع الأوروبي الكبير الذي كان يحتل المرتبة الثانية في العالم بعد "امبراير" البرازيلية. وأتى إعلان الافلاس قبل أيام ليؤكد عمق الأزمة التي تعيشها صناعة الطائرات الاقليمية في العالم، في ظل انهيار التوقعات السابقة حول النمو الذي كان من المنتظر أن يعرفه الطلب على الطائرات الاقليمية النفاثة التي تقل سعتها عن 100 راكب. وشكل النبأ صدمة في أوساط صناعة الطيران نظراً إلى أن "بريتيش ايروسبايس سيستمز" كانت قد سبق وأعلنت الخريف الماضي توقفها عن بناء الطائرات النفاثة الاقليمية، بعدما كانت تحتل المرتبة الرابعة في العالم. ويقول العاملون في صناعة الطائرات الاقليمية إن الصناعة انتهت الآن في أيدي الأميركيين، بعدما خسر الأوروبيون المعركة. وهي مواجهة كانت "فوكر" الهولندية أولى ضحاياها قبل سنوات قبل أن يصيب الافلاس مصانع "بريتيش ايروسبايس" البريطانية، وبعدها "فيرتشايلد إيروسبايس" الألمانية التي تبحث عن مستثمرين آخرين قد يحيون أملها بالعودة إلى الحياة مجدداً. وتحتل "امبراير" البرازيلية المرتبة الأولى في العالم، وهي مرتبة كانت تستحوذ عليها منذ سنوات، في حين ستبقى "بومباردييه" الكندية في المرتبة الثانية لتتقاسم مع منافستها البرازيلية السوق الدولية للطائرات الاقليمية النفاثة. ويعمل لدى "فيرتشايلد إيروسبايس كوروبويشن" 4300 عامل، 3600 منهم في ألمانيا و700 في مصانعها في الولاياتالمتحدة. وتعتبر صدمة إغلاق الشركة الصدمة الثالثة من نوعها التي تعرفها ألمانيا في مدى أسبوعين، بعد انهيار مجموعة "فيليب هولزمان" المتخصصة في البناء، ومجموعة "كيرش" الاعلامية العملاقة. وتضم لائحة الطلبيات المؤكدة لدى "فيرتشايلد" 267 طلبية مؤكدة، و255 خيار شراء. وتعهدت الشركة الالتزام بتسليم كل الطلبيات التي تم التعاقد عليها. إلا أنه يعتقد أن أغلب خيارات الشراء قد يلغى في حال رأت شركات الطيران أنها لن تستطيع مستقبلاً الاعتماد على الطرازات الجديدة التي كانت ستضمها عائلة طائرات "فيرتشايلد"، في حال قررت هذه الشركات تجديد أساطيلها لاحقاً. وكانت"فيرتشايلد" اعترفت الشهر الماضي بوجود مشاكل مالية لديها، في أعقاب "انهيار" في معدل الطلبيات لديها بعد الهجمات التي حدثت في الحادي عشر من أيلول. وكانت الشركة تتوقع أن تصل حصتها إلى نحو 500 طائرة إقليمية متوسطة الهكيل على مدى الخمسة عشر عاماً المقبلة، وذلك من أصل ثلاثة آلاف طائرة جديدة من هذا القبيل يُتوقع أن تحتاج شركات الطيران إلى شرائها حتى عام 2015. وسيطرت الشركة قبل ثلاثة أعوام على ثلث طلبيات الطائرات الاقليمية النفاثة التي تقل سعتها عن 100 مقعد. ووصل حجم هذه الطلبيات إلى 178 طائرة توزعت بين 78 طائرة من طراز "328 جت" و40 طائرة "428 جت" و60 طائرة "728 جت" أوصت عليها ناقلات عريقة وكبيرة، منها توصية "آتلانتيك كوست ايزلاينز" على 80 طائرة من طرازي "328" و"428" تضاف اليها 85 طائرة خيار شراء، وتوصية "لوفتهانزا" على 60 طائرة من طراز "728" تضاف اليها 60 طائرة خيار شراء، وتوصية "هاينين ايرلاينز" الصينية على 19 طائرة من طراز "328" مع 20 طائرة خيار شراء. وكانت ملكية "فيرتشايلد" شهدت ضخ أموال جديدة عام 1999 لتجديد إدارتها وبلوغ الربحية. وقامت مجموعة استثمار دولية تقودها شركة "كلايتون، دوبيليه أند رايس" و"آليانز كابيتال بارتنرز" بشراء الشركة في اتفاق أبرم في 28 كانون الأول ديسمبر من ذلك العام، وبلغت قيمته 2،1 بليون دولار. وحصلت "آليانز كابيتال" بموجب الصفقة على 25 في المئة، مقابل 72 في المئة ل"كلايتون، دوبيليه أند رايس". ونص الاتفاق على تعهد هذه المجموعة الاستثمار في تطوير خطوط انتاج عائلة الطائرات الاقليمية النفاثة التي تقوم الشركة ببنائها وتطويرها، بما في ذلك طائرة "428" التي تسع 44 مقعداً وطائرات "728" التي تسع عدداً من المقاعد يراوح بين 50 و105 مقاعد. وشملت الصفقة زيادة الرأس مال بمقدار 400 مليون دولار وسداد 800 مليون دولار تقريباً من ديون التمويل المترتبة على الشركة لحساب كونسورسيوم من المصارف الألمانية والمؤسسات المالية الأخرى التي قدمت خدماتها بدعم مباشر من الحكومة الألمانية وحكومة إقليم بافاريا. أما التطور الثاني الذي عرفته الشركة فكان حصول طائرة"328" ،التي تعتبر الطائرة الاقليمية النفاثة الوحيدة في العالم التي تسع 32 مقعداً، على التراخيص الفيديرالية وبدءها الخدمة منذ صيف 2000 في السوق الأميركية والأوروبية. وشكل انطلاق هذه الطائرة التي يناهز ثمنها 5،11 مليون دولار تأكيداً لنجاح مبادرة بناء عائلة جديدة من الطائرات الاقليمية النفاثة بمواصفات للتشغيل والاستخدام تعتبر بحد ذاتها تطويراً للمفاهيم السائدة في مجالي النقل الجوي والطيران المدني. وكان تطوير هذه الطائرات بدأ عام 1998، بمعاونة شركة "لوفتهانزا" التي أرسلت مهندسين ومسؤولين للتسويق وضعوا تصوراً لبناء طائرة إقليمية نفاثة تكون جيدة بكل المقاييس. وساهمت مشاركة "لوفتهانزا" التي تملك سجلاً يعتبر من أفضل السجلات في عالم تقنيات الصيانة الجوية والخدمات الهندسية في العالم في تطوير الطائرة الجديدة وإكسابها معايير متقدمة. وحاولت "فيرتشايلد" الترويج لطرازاتها: "328" و428" و"528" و"728" و"928" على أساس أنها تضمن بلوغ درجة كاملة من الانسياب في تنظيم رحلات تربط بين المطارات الإقليمية والمطارات - المركز، من دون الحاجة إلى التوقف في محطات وسيطة للتزود بالوقود. وكانت استراتيجية النمو التي اتبعتهاتستند إلى النمو المتوقع في سوق الطائرات الاقليمية النفاثة في أميركا الشمالية، لا سيما تلك التي تقل سعتها عن 50 مقعداً. ويقوم تشابه بين طائرات "728" و"728" و"528" التي تؤمن مساحة في آخر مقصورة الركاب لوضع الأمتعة الزائدة. وتحتاج الطائرات الثلاث إلى مسافة تراوح بين 4200 وخمسة آلاف قدم للإقلاع والهبوط، مما يمنحها مرتبة منافسة بين بقية الشركات المصنّعة للطائرات الاقليمية التي تحتاج إلى مدارج قصيرة تتجاوز 5200 قدم. وشاركت مؤسسات دولية بلغ عددها 22 شركة في عملية تصميم الطائرات بطرازاتها ومقاساتها المختلفة، والتي تعتبر طائرة "328" أصغرها. وتولت شركة "دورنييه" الجزء الهندسي للمشروع، بينما تولت "هونيويل" تأمين نظم الملاحة الجوية المتقدمة وتعتبر من أحدث النظم في العالم وليس فيها أزرار لإطفاء المحرك وتشغيله، بل شاشات رقمية يتم توجيه كل الوظائف من خلالها عبر اللمس، ليقوم الكومبيوتر من ثم بتوجيه جميع وظائف الطائرة. وأتاح اعتماد شاشات قيادة ملاحية رقمية جعل قمرات القيادة، في كل الطائرات من العائلة الواحدة بطرازاتها المختلفة،، متماثلة، الأمر الذي يسهّل حل مشكلة استبدال الطيارين ونقلهم من طائرة إلى أخرى حسب دواعي العمل والتشغيل. كما تمتاز الطائرات المصنّعة لدى "فيرتشايلد" بمساحة أقل من تمديدات الكهرباء بسبب استخدام مقاسم أساسية لتحويل الكهرباء داخل الطائرة. ويعتقد أن الأكلاف الرئيسة التي تسببت في تعاظم الدين الذي تتكتم الشركة على حجمه، تسبب بها مشروع بناء طائرة "728" الذي بلغت كلفته بليون دولار، على أن يدخل هذا الطراز الخدمة العام المقبل. ومن غير المعروف كيف سيكون تأثير الافلاس على الشركاء الذين ساهموا في برامج تطوير الطرازات، والذين دعموا المشروع منذ بدايته على أساس تحملهم معاً مخاطر الانتاج. وتتولى "كاسا" الإسبانية تصنيع الأجنحة. وهي تملك تكنولوجيا ومعدات تؤهلها لإنتاج أجنحة من الألومنيوم المقوى والخفيف، الذي يُصب في قطعة واحدة ومن دون الحاجة إلى تجميعه في شرائح، كما هو الحال في الأجنحة العادية. وتنقسم شركة "فيرتشايلد إيروسبايس كوروبويشن" إلى إربعة أقسام: يعمل أولها في تصنيع الطائرات الاقليمية، والثاني في بناء مكونات لألف طائرة "ايرباص"، والثالث في اللوجستيك، والرابع في الصيانة. وبنت الشركة توقعاتها للنمو على أساس أن سوق الطائرات التي تراوح سعتها المقعدية بين 30 و100 مقعد، ستمر بدورات نمو وانكماش متباينة في السنوات العشرين المقبلة. و سيكون هناك طلب على 9800 طائرة من هذه الفئات ستُسلم: 30 في المئة مروحية، و70 في المئة نفاثة. وهذا يعني أن هناك 7500 طائرة نفاثة ستُسلم، وهي مجتمعة تشكل سوقاً كبيرة للمنافسين الكبيرين في سوق الطائرات الاقليمية في العالم اليوم وهما "امبراير" و"بومباردييه". وكانت شركات الطيران الكبيرة بدأت تهتم ببناء طائرات إقليمية ذات سعة تدور في محيط 100 مقعد، بما في ذلك "بوينغ" و"ايرباص". ودفع هذا الأمر كلاً من المنافسين الثلاثة في السابق إلى تنويع استراتيجياتهم سعياً إلى التمسك بحصص من السوق يعتقد كل منهم أنه الأقدر على المحافظة عليها. وفيما أثبتت "بومياردييه" أنها تستطيع تعزيز موقعها في فئة الطائرات التي تبلغ سعتها 50 مقعداً، عمدت "فيرتشايلد إيروسبايس كوروبويشن" إلى اللجوء الى التحالف مع مصنّعين في قطاع النقل الجوي، من أجل بناء عائلة طائرات، وهي خطوة سبق أن لجأت اليها شركات أخرى مثل "ايرباص" و"بريتيتش ايرويز" لتوسيع نطاق فئات الطائرات التي يمكن تأمينها للزبائن. وسمحت هذه الاستراتيجية بخفض مدة حملات الترويج التي تستغرق في حالة الطرازات التقليدية خمس سنوات، إلى أقل من سنتين لدى "فيرتشايلد" التي استطاعت الحصول على عقود سريعة وكبيرة. ولكن يبدو أن استراتيجية الترويج أطاحت بها تطورات السوق الدولية بعد 11 أيلول، لتكون الشركة إحدى الضحايا الجديدة لهذه الأزمة. وسعى مالكو الشركة إلى اقتراح فكرة لم يكن أحد يتوقعها منذ سنوات، وتمثلت في دخول "بوينغ" شريكاً رئيساً، إلا أن رفض الشركة الأميركية العملاقة دفع الشركة الألمانية إلى إعلان إفلاسها والخضوع لادارة تعينها المحكمة، ريثما يتم العثور على مستثمرين آخرين يستطيعون إنقاذ ما تبقى من هذا العملاق الأوروبي.