شهد معرض لوبورجيه الدولي، في دورته ال43، سلسلة عقود ضخمة تجاوزت قيمتها 14 بليون دولار في أيامه الأولى، في ظل منافسة كبيرة أبدتها شركات تصنيع أجسام الطائرات الاقليمية للطائرات عريضة الجسم طويلة المدى. ونُظم المعرض الحالي في وقت تشهد الصناعات الجوية والفضائية في العالم تغيرات واسعة النطاق، وفي أعقاب اهتمام بالغ تبديه الأوساط المتخصصة لتحليل العبر والدروس التي حفلت بها حرب كوسوفو ، حيث شكلت الطائرة الأداة الرئيسية التي رجحت كفة الحرب وأمالت الوضع لصالح حلف شمال الأطلسي. وشهد الحدث، الذي يعقد مرة كل عامين، وبالتناوب مع معرض "فارنبره" البريطاني، تراجعاً في عدد العارضين المشاركين الذين انخفض عددهم إلى 1800 شركة مقابل 2857 شركة عام 1997. ويعود السبب في هذا الانخفاض إلى عمليات الاندماج والتحالف التي أدت على مدى العامين الماضيين إلى تقلص بالغ في عدد الشركات الموجودة في السوق في مجالي تصنيع أجسام الطائرات وتصنيع المكونات والمحركات. إلا أن هذا التراجع لم ينعكس انخفاضاً في المساحات التي استأثرت بها أجنحة الشركات العارضة والتي تميزت بتنظيم أفضل إلى حد بعيد من التنظيم الذي يشهده معرض "فارنبره"، والذي يعاني باستمرار من بعده عن العاصمة البريطانية وقلة التسهيلات المتاحة داخل المعرض للتنقل بين الأجنحة والصالات. ووقعت "ايرباص" مجموعة عقود شملت عقداً مع شركة "ديبيس ايرفايننس" البلجيكية المتخصصة في تأجير الطائرات والتابعة لشركة "ديملر كرايزلر اي. جي" لبيعها 30 طائرة من عائلة "إي 320" تتضمن 15 طائرة "320" وعشر طائرات "319" وخمس طائرات "321" بقيمة 5.1 بليون دولار على أن تسلم عام 2003. كما باعت شركة "سايل" السنغافورية التابعة ل"الخطوط السنغافورية" 23 طائرة من عائلة "ايرباص 320"، بينها 20 طائرة "320" وثلاث "321" بقيمة تبلغ 1.1 بليون دولار. أما "بوينغ"، التي حازت قصب السباق، فأبرمت عقوداً عدة أيضاً بينها عشر طائرات "737" اشترتها "جيت ايرويز" الهندية و15 طائرة "737" لشركة "ميدويز ايرلاينز" الأميركية وعشر طائرات "737" لشركة "سي. آي. تي" الأميركية للتأجير. وبلغت قيمة هذه الطائرات ال35 قرابة 5.1 بليون دولار. ووفق ما رجحته توقعات الساعة قبل المعرض باعت "بوينغ" 50 طائرة "737" مؤكدة لشركة "آي. ال. اف. سي" الأميركية للتأجير، بالإضافة إلى 50 طائرة من الطراز نفسه كخيار شراء. وتبلغ قيمة هذه الصفقة خمسة بلايين دولار. وهي أكبر صفقة منفردة لهذا الطراز من الطائرات، مما يرفع عدد طائرات "737" التي تملكها الشركة الأميركية إلى 390 طائرة. وتمكنت شركة "امبراير" البرازيلية، التي تعتبر أكبر مصنّع للطائرات في أميركا الجنوبية، من تحقيق نتائج عدة بارزة من خلال بيع مزيد من الطائرات الاقليمية التي تتخصص في تصنيعها. وضمن العقود التي أبرمتها الشركة البرازيلية عقد لبيع شركة "كروس اير" التابعة ل"الخطوط السويسرية" 75 طائرة مؤكدة و125 طائرة خيار شراء من طراز سعته 70 مقعداً وآخر سعته 90 مقعداً بقيمة بليوني دولار. كما باعت "امبراير" شركة "بورتيوس" الفرنسية، التي تتخذ من مدينة ليون مقراً لها، 13 طائرة نفاثة سعة 50 مقعداً وخمس طائرات سعة ستين مقعداً. وباعت شركة "ريجيونال ايرلاينز" الفرنسية عشر طائرات سعة 70 مقعداً وخمس طائرات خيار شراء من الطراز نفسه بقيمة اجمالية تبلغ 400 مليون دولار. وباع الاتحاد الايطالي - الفرنسي "اي. تي. آر" خمس طائرات سعة 70 مقعداً لشركة تمويل بقيمة 90 مليون دولار، على أن يجري تسليمها نهاية السنة الجارية، وعلى أن تعطى ضمن عقد بيع استئجاري إلى شركة "جت ايرويز" الهندية. اما شركة "بومباردييه" الكندية فباعت 14 طائرة "كيو 400" تبلغ سعتها 70 مقعداً الى شركة "هورايزون اير" الاميركية بقيمة 320 مليون دولار. واتفقت ايضاً على بيعها كخيار شراء 15 طائرة من الطراز نفسه ولكن مجهزة بمحركات مروحية. وأعلنت "رايثيون" الاميركية بيع 50 طائرة لرجال اعمال من طراز "هوكر هورايزون"، مؤكدة، بالاضافة الى 50 طائرة من الطراز نفسه كخيار شراء بقيمة اجمالية تبلغ 2.2 بليون دولار على ان يجري التسليم بين 2002 و2008. وشملت الصفقات ايضاً عقوداً بقيمة 820 مليون دولار أبرمتها "رولز رويس" البريطانية لتصنيع محركات لصالح شركات طيران عدة أغلبها اوروبي. وعلى رغم هذه الارقام التي ينتظر ان ترتفع بعض الشيء خلال الأيام المقبلة، مع انتهاء المعرض يوم الأحد، فإن سوق الطيران المدني ستشهد تراجعاً في الطلبيات خلال السنة الجارية نتيجة عزوف شركات الطيران الكبرى عن ابرام مزيد من العقود لتوسيع اساطيلها واحلال طائرات اكثر تطوراً محل الطائرات المتقادمة في أسطولها والتي سيتم اخراجها من الخدمة. وكانت سلسلة قرارات واجراءات قانونية اتخذت في اكبر سوقين في العالم وهما اوروبا الغربية والولاياتالمتحدة، دفعت شركات الطيران الست الرئيسية في الولاياتالمتحدة وشركات الطيران العاملة في اوروبا الى تجديد اساطيلها واخراج الطائرات، التي لا تستجيب للمعايير البيئية ومعايير الضوضاء الجديدة المطبقة، من الخدمة. وامتد الأمر ليشمل في الوقت ذاته الطائرات ذات الكلفة التشغيلية المرتفعة نتيجة الضغط الهائل الذي تسببه عملية إعادة الهيكلة في قطاع الطيران، والتي أدى اليها الهبوط الكبير في عوائد شركات الطيران منذ مطلع التسعينات، علاوة على تزايد حدة المنافسة بين الناقلات الجوية التي باتت مضطرة لخوض غمار المنافسة في اطار دولي اوسع، عقب تطبيق اوروبا الغربية سياسات تحرير الأجواء منذ عام 1993 واتساعها لتشمل كل الاتحاد الأوروبي ابتداء من نيسان ابريل 1997. وقال المسؤولون في "بوينغ" و"ايرباص" انهما ستعانيان من تراجع في حجم طلبياتهما السنة الجارية قدره 45 في المئة على الأقل، الا ان هذا لا يعني ان عملهما وانتاجهما في السنوات الثلاث المقبلة سيتراجعان نظراً الى حجم الطلبيات الكبيرة التي لديهما والتي تقارب ثلاثة آلاف طائرة جديدة. الا ان التراجع في الطلبيات سيدفعهما الى عدم الاستثمار في فتح خطوط انتاج جديدة، علماً ان "بوينغ" حققت سرعة قياسية في مضاعفتها قدرتها الانتاجية في السنوات الاخيرة بمعدل اربعة اضعاف، وان "ايرباص" تلجأ الى سياسة توزيع اكثر توازناً لأعمال الانتاج وخطوطها القائمة بين مصانع مالكاتها الأربع في بريطانيا وألمانيا وفرنسا واسبانيا. ويعود تراجع الطلب الحالي الى خلل في طبيعة سلوك شركات الطيران التي توصي على طائرات جديدة في الفترة التي يتحسن فيها دخلها، ولكن هذه الطائرات تُسلم في السنوات اللاحقة عندما يحدث الركود الدوري في سوق الطيران. وفي هذه الحالة تضطر الشركات الى وقف طائراتها في الصحراء لخزنها ريثما تتغير ظروف التشغيل في سوق الطيران التجاري وتصبح اكثر ايجابية. وكان واضحاً من المداولات التي جرت في معرض لوبورجيه ان صناعة الطيران تستعد لتغيرات جذرية في العقد المقبل مع التحولات العميقة التي بات تشهدها هذه الصناعة في ظل ازدياد المبادرات لترشيد الانفاق وتحسين الموقع التفاوضي لشركات التصنيع الجوي والعسكري في مشاريع التطوير المشتركة للنماذج العسكرية والمدنية للطائرات. وينتهي معرض لوبورجيه الأحد المقبل بعدما يكون حقق لمنطقة باريس المجاورة عوائد تبلغ 320 مليون دولار تشمل قطاع الفنادق حيث كان من الصعب هذا الاسبوع العثور على غرفة شاغرة، وقطاع المطاعم لا سيما المطاعم التي تقوم بتسليم المأكولات الجاهزة وفي مقدمها المطاعم الفاخرة في باريس. ويقدر عدد الزوار الذين سيقدمون الى المعرض بنحو 130 ألف زائر من العاملين في قطاع الطيران والصناعات الحربية بالاضافة الى نحو 100 ألف زائر من الجمهور. وتصل كلفة استئجار الأجنحة وكلفة العاملين المحليين الى نحو 38 مليون دولار طوال فترة المعرض الذي بدأ السبت الماضي ويستمر تسعة أيام.