أثار اعلان الاجراءات الحمائية الاميركية على الصلب لحماية صناعة الحديد والصلب الاميركية مساء أول من أمس موجة احتجاجات قوية بين الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة. طوكيو، بروكسيل، جنيف، جاكرتا، لندن - "الحياة"، رويترز، أ ف ب - انتقد كبار منتجي الصلب في العالم الولاياتالمتحدة أمس لفرضها رسوماً جمركية كبيرة على واردات الصلب وهددوا بالرد عن طريق دعاوى قضائية واجراءات تجارية انتقامية. وكان بوش اعلن تعرفة جمركية على مجموعة من انواع الصلب تراوح الرسوم المفروضة عليها بين ثمانية في المئة و30 في المئة ويبدأ العمل بها اعتبارا من 20 آذار مارس الجاري وتستمر ثلاث سنوات. وقالت واشنطن ان كندا والمكسيك واسرائيل والاردن ستعفى من هذه الرسوم بسبب اتفاقات تجارية قائمة مع الولاياتالمتحدة. وسيكون اكثر المنتجين تضررا بهذه الرسوم الاتحاد الاوروبي واليابانوالصينوتايوانوكوريا الجنوبية. وسارع الاتحاد الاوروبي بادانة القرار الذي يهدف الى حماية صناعة الصلب الاميركية المتداعية وقال انه سيرفع الامر لمنظمة التجارة الدولية. وقال باسكال لامي المفوض التجاري في الاتحاد الاوروبي في بيان: "قرار الولاياتالمتحدة باتخاذ اجراءات حماية يعد انتكاسة للنظام التجاري العالمي". وأضاف: "الاتحاد الاوروبي سيرفع بالطبع شكوى فورية في جنيف في منظمة التجارة الدولية ضد هذا الانتهاك الصارخ لقواعد المنظمة وسنتخذ الاجراءات المطلوبة كافة لحماية اسواقنا". وادان وزير الاقتصاد الالماني فيرنر مولر القرار الاميركي قائلاً: "اجد قرار الرئيس الاميركي بدعم اجراءات الحماية امرا غير مبرر... الحكومة الالمانية ستسعى من داخل الاتحاد الاوروبي لان تراجع منظمة التجارة الدولية هذه الاجراءات بكل عواقبها". وأضاف: "القرار لا يزيد فقط من الضغوط على العلاقات بين الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة لكن له ايضاً دلالة سلبية اذ يأتي بهذه السرعة بعد بدء جولة جديدة من محادثات التجارة في الدوحة". وبمقتضى قواعد منظمة التجارة الدولية ستكون اول خطوة يتعين على الاتحاد الاوروبي اتخاذها هي مطالبة الولاياتالمتحدة بالتفاوض على الغاء الرسوم. وسيكون امام واشنطن فرصة عشرة ايام للرد تضاف اليها مهلة 20 يوماً للتفاوض. واذا لم يتم التوصل لاتفاق يمكن للاتحاد الاوروبي مطالبة لجنة تابعة للمنظمة بالفصل فيما اذا كانت الاجراءات الاميركية قانونية وبالتالي ما اذا كان من حق الاتحاد اتخاذ رد انتقامي. وتوعد منتجون كبار آخرون منهم اليابانوروسياوكوريا الجنوبية والبرازيل بمقاومة القيود الجديدة التي وضعتها واشنطن التي تلقي المواعظ عن التجارة الحرة. ووصف تاكيو هيرانوما وزير التجارة الياباني هذه الخطوة بانها "مؤسفة للغاية"، وقال انه يشك في ان تكون معاناة صناعة الصلب الاميركية مبرراً لهذه التعرفات. وقال في بيان: "ستعمل اليابان عن كثب مع اوروبا وكوريا والدول المعنية بالامر للبحث في الاجراءات الملائمة بما في ذلك السعي لتحكيم في منظمة التجارة الدولية". وصدرت اليابان ثاني اكبر منتج للصلب في العالم بعد الصين 2.2 مليون طن من الصلب للولايات المتحدة في عام 2001. وتهاوى سعر سهم شركة "نيبون ستيل" اكبر منتج للصلب في اليابان بعد القرار. في لندن، اعتبرت وزيرة الدولة البريطانية لشؤون التجارة والصناعة باتريشا هيويت مساء أول من أمس ان هذا القرار "غير مبرر اطلاقاً". وجاء في بيان صادر عن هيويت: "علينا بالطبع ان ندرس الاعلان الاميركي في تفاصيله، لكنني اشعر بخيبة كبيرة بعدما قررت الولاياتالمتحدة ان تفرض على بريطانيا وغيرها من المنتجين الاوروبيين للفولاذ هذه التعرفات الجمركية غير المبررة اطلاقاً والتي تشكل انتهاكاً واضحاً لقوانين منظمة التجارة الدولية". وتابعت: "اننا على اتصال مع زملائنا الاوروبيين من اجل تقديم شكوى فورية الى منظمة التجارة الدوية واتخاذ التدابير المناسبة لحماية عمال الصلب البريطانيين". واجرى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير خلال الايام الاخيرة قبل اعلان بوش هذه القرارات الجديدة، اتصالات كتابية وهاتفية مع الرئيس الاميركي ليؤكد له ان "التعرفات الجمركية لا تضر بمصالح بلد مثل بلدنا واوروبا فحسب، بل تضر كذلك بمصالح المستهلكين الاميركيين انفسهم، لانهم هم الذين سيتحتم عليهم دفع السعر الاكثر ارتفاعاً لواردات الصلب". واشار المسؤولون والخبراء الروس الى ان هذا القرار قد ينعكس بشكل خطير على المصدرين الروس. وقالوا ان روسيا ستخسر ما يصل الى 500 مليون دولار سنوياً من عائدات تصدير الصلب بسبب التعرفات الاميركية الجديدة. وانضمت كوريا الجنوبية اكبر منتج للصلب في العالم واستراليا الى الجوقة الغاضبة من الرسوم أمس وقالتا انهما تبحثان في رفع الامر الى منظمة التجارة الدولية. وفي ريو دي جانيرو، ذكرت السلطات البرازيلية انها ستستخدم كل ما لديها من وسائل بما في ذلك اللجوء الى منظمة التجارة الدولية، من اجل الغاء التعرفات الجمركية التي فرضتها الولاياتالمتحدة على وارداتها من الصلب البرازيلي. وجاء القرار الاميركي بعد اقل من شهر من جولة قام بها الرئيس جورج بوش في آسيا حض فيها اليابان على اصلاح اقتصادها ودعا الصين للوفاء بتعهداتها كعضو جديد في منظمة التجارة الدولية. واوضح بوش في بيان ان هذه الاجراءات الموقتة اتخذت بموجب القسم 201 من القانون التجاري الاميركي وتسمح بها قوانين منظمة التجارة الدولية بشكل صريح. وفي الولاياتالمتحدة، حصلت الاجراءات الحمائية على تأييد النقابات ومصانع الصلب، الا انها اثارت احتجاجات انصار حرية التبادل وبعض الصناعات الاستهلاكية. واكدت نقابة صناعة الحديد والصلب ان قرار بوش "يبعث الامل في امكان انقاذ صناعة الصلب الاميركية ويرسي اسس التشريعات اللازمة لحماية انظمة الضمان الاجتماعي ل600 الف عامل في هذا القطاع". وبين الصفوف المعارضة لهذا القرار، رأى ائتلاف الصناعات الاستهلاكية ان التعرفات الجمركية على بعض مواد الفولاذ سيكون لها عمليا وطأة ضرائب جديدة على المستهلكين. وقال رئيس الائتلاف جون جينسون ان تدابير بوش "تثير استياء الصناعات الاستهلاكية الاميركية التي اهملت مصالحها في خضم التحرك السياسي لتهدئة منتجي الصلب ونقاباتهم". وقال روبرت زوليك الممثل التجاري الاميركي ان اليابانوالصين بالاضافة الى تايوانوكوريا الجنوبية والاتحاد الاوروبي سيتعرضون لاكبر خسائر بسبب الاجراءات الحمائية الجديدة. ويقول منتجو الصلب الاميركيون ان رخص الواردات هو المسؤول عن 31 حالة افلاس بين شركات الصلب خلال الاعوام الاربعة الماضية وطالبوا بفرض تعرفة جمركية تبلغ 40 في المئة لحماية الصناعة الوطنية. وتقول الدول المعترضة على هذه التعرفة ان الاضطرابات التي شهدتها الولاياتالمتحدة ترجع الى اخفاقها على مدى أعوام في اعادة هيكلة قطاع الصلب والى ارتفاع سعر الدولار الذي زاد بنسبة 23 في المئة امام اليورو خلال عامين. وقال وزير الخزانة الاميركي بول اونيل ان القرار يهدف فقط الى اعطاء مصنعي الصلب الاميركيين الفرصة لاعادة هيكلة نشاطهم وليس لكسب ميزة تجارية. وابلغ الصحافيين الذين يرافقونه في جولة في الشرق الاوسط: "هذا الاجراء اتخذ بمقتضى قانون يسمح بفترة محدودة هي في هذه الحال ثلاث سنوات لاعادة هيكلة الصناعات المحلية". وأضاف انه يأمل في ان يعيد شركاء الولاياتالمتحدة التجاريين النظر في الامر بعدما اعلن الاتحاد الاوروبي انه سيرفع شكوى فورية لمنظمة التجارة الدولية. وقال سوباتشاي بانيتشباكدي الذي اختير مديراً عاماً لمنظمة التجارة الدولية اليوم ان الدول المنتجة للصلب يتعين ان تحاول حل خلافاتها في شأن تعريفة جديدة فرضتها الولاياتالمتحدة والا تلجأ الى المنظمة الا اذا باءت محاولاتها بالفشل. وأضاف سوباتشاي الذي سيتولى المنصب خلفاً لمايك مور في أيلول سبتمبر المقبل، ان الدول المنتجة يجب ان تحاول حل المشكلة بانفسها اولا وان العالم يعاني من زيادة الطاقة الانتاجية للصلب. وابلغ "رويترز" على هامش ندوة اعمال في جاكرتا: "لا اعتقد ان المنظمة بامكانها اتخاذ اجراء فوري". وزاد: "اعتقد ان الخطوة الاولى يجب ان تكون جلوس كل الدول الغاضبة معاً للبحث في الامر". وقال سوباتشاي وهو نائب سابق لرئيس وزراء تايلاند: "اذا لم يتمكنوا من تسوية خلافاتهم يمكنهم في ذلك الوقت اللجوء للجنة تسوية المنازعات التابعة للمنظمة". واضاف: "العالم بأسره لديه فائض هائل من الطاقة الانتاجية للصلب... الامر يتعلق بأن يخفض الجميع طاقتهم الانتاجية".