ما هو موقف العرب وضرب العراق يقترب والحرب عليه تدق طبولها والولايات المتحدة تحشد قواها في آسيا الوسطى لحرب وصفها الرئيس جورج بوش بأنها حرب طويلة للقضاء على الارهابيين واستئصال الارهاب وتجفيف منابعه؟ هذا السؤال برز كعلامة استفهام ما زالت تبحث عن اجابة وعن طبيعة الرد المنتظر من الدول العربية في حال استهداف العراق، خصوصاً ان التأكيدات الغربية تشير الى استهدافه بعد افغانستان ضمن المرحلة الثانية من ما يسمى "بحرب الارهاب". طرحنا السؤال على أكثر من مراقب في محاولة للحصول على صورة لما يمكن ان يكونه الموقف العربي. يقول وزير الاعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة العجمي: "بغض النظر عما سيجري او يحدث فوضع الدول العربيه ليس على ما يرام وبالتالي لا اعتقد ان طرح السؤال يتوقع او يفترض فرضية عقلية بأنه سيجد ردة فعل او موقفاً عربياً في حال ضرب دولة عربية سواء كان العراق او غيره". ويضيف: "ان الوضع العربي متشرذم والحال متردية وكل على حدة منذ احداث الثاني من آب اغسطس 1990. وهذا لا يعني انهم اي العرب قبل هذا التاريخ كانوا كالبنيان المرصوص لكن من المؤكد انه كانت هناك اجنده عربيه شفهية موحدة من القضايا المعلنة. ومن هذه المعطيات لا ارى ان يكون هناك موقف عربي يوقف ضرب العراق او غيره من دول عربية اذا ما فكرت اميركا في استهدافها. فالموقف العربي عجز ووقف يتفرج على الشعب الفلسطيني من دون ان يحرك ساكناً وشارون يقتله منذ اكثر من سنتين، بعد ان عجز قبل ذلك في ايجاد موقف عربي واحد يدعم القضيه الفلسطينية. ويعيد العجمي اسباب التشرذم في الموقف العربي الى الاحداث التي خلفها النظام العراقي باجتياح الكويت "ذلك العمل الذي اجهض اتفاق الدفاع العربي المشترك التي معه غابت الصيغة العربية لموقف عربي ينتظر في ان يكون واحداً". ويرى انه لا سبيل لانقاذ العراق من الحرب الوشيكة التي بدأت تلوح اميركا بقرب وقوعها سوى تقديم النصح المباشر للقيادة العراقية لتنفيذ قرارات مجلس الامن التي وقع عليها لتجنيبه خطر الحرب الوشيكة. اما الكاتب والمحلل السياسي تركي الحمد فلم يتفاءل في ان يكون هناك رد فعل عربي بقوله: "اذا لم يفعل العرب مجتمعين باسرائيل شيئاً وهي التي تفسد وتقتل الاطفال وتسوم الفلسطينيين العذاب فهل ستفعل شيئاً لأميركا وان فعلت فهل تستطيع الدول العربية ان تقاطعها وتستغني عن خدماتها وهي المتلقية لما تنتجه". وأضاف: "لا أتوقع ان يكون هناك موقف عربي، واذا كان فلن يتعدى الشجب والتنديد على المستوى الرسمي وبعض التظاهرات على الصعيد الشعبي التي سرعان ما تتلاشى ليعود الوضع الى ما هو عليه بعد ان فقدت الجماهير العربية الامل ولم تعد تنتظر ان يحقق لها ساستها شيئاً". وأعاد الحمد تأكيده ان الموقف سيكون معدوماً باستثناء عقد قمة لا تتجاوز الشجب ولا تخرج عن اطار التنديد من دون ان تصاحبها ردود فعل مستنداً الى ضرب العراق في الوقت الحالي الذي لا يقابل سوى ببعض الاصوات. وأشار الى ان اميركا ترتكب خطأ كبيراً وتخلط الاوراق بفقدانها ثقة العالم في حربها على الارهاب في حال استهداف العراق الذي سيفقدها الكثير من حلفائها ويقلل من صدقيتها عند من تعاطف مع حربها على الارهاب. ويرى استاذ السياسة في جامعة قطر محمد المسفر ان السؤال يجب طرحه بصيغة اخرى ليكون "ما هو السيناريو المتوقع قبل ضرب العراق في ظل عدم المقدرة على الاجابة عن السيناريو المتوقع عند ضرب العراق لعدم المقدرة على التصدي لأميركا بعنفها وعنفوانها المسلح ويدها الطويلة القادرة على الوصول الى ما تبتغي". وأضاف: "من هنا، سأجيب على افتراض صيغة السؤال مني قبل ان نعود لسؤال محور النقاش. يجب قبل وقوع الضربة أن يكون هناك اجماع عربي، أو على الاقل لدول مجلس التعاون والاردن وسورية ومصر وايران أي الدول القادرة على مواجهة الغطرسة الاميركية وردع هجومها على العراق وذلك بايجاد قرار لرفع الحصار الفوري غير المشروط. اما الامر الآخر فهو اعادة العلاقة الى ما كانت عليه. ولنفرض ان الكويت ستمانع فلها الحق، ولكن في هذه الحال فإن ضرب العراق سيتطور ليشمل بقية دول المنطقة. اما في ما يتعلق بالسيناريو المتوقع في حال استهداف العراق فأعتقد ان الاضطربات ستملأ الشارع العربي ولن تقتصر على دول معينة بل ستشمل دول المنطقة كافة وبالتالي ستنقلب المعادلة في الشرق الاوسط ضد المصالح الاميركية وضد الانظمة السياسية التي غضت الطرف عن العدوان في حال حدوثه على رغم التنازلات التي قدمها العراق بتفويضه أمين عام جامعة الدول العربية لم الشمل ومعالجة الجراح واعادة المياه الى مجاريها واضعاً الكرة في مرمى حكام العرب. وقال: "أكرر ان هناك مسؤولية عربية اسلامية قومية في ان يقف العرب امام هذه الصحوة وقفة واحدة. وهنا استرجع ونستفيد من مقولة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي قال اننا ارتكبنا خطأ ويجب ان نصححه. العراق اخطأ والكويت اخطأت والدول العربية وجامعتها اخطأت وبالتالي أؤكد ويتفق معي الكثير ان الخطأ يجب ان يصحح ويتدراك باعادة العراق الى الحظيرة العربية واشعار المجموعة الاوروبية بأن الامة العربية تقف معها في خندق واحد ضد الهيمنة الاميركية والصهيونية. وأعتقد ان الاوروبيين يفهمون ذلك وسيكون موقفهم جيداً بمساندة العرب. كما يجب ان تعطى للرأي العام الحرية ليعبر عما في نفسه بمسيرات شعبية سلمية لابداء التحدي وخصوصاً امام المجتمع الاوروبي الذي ينتظر الموقف العربي في ظل الغليان الذي يعيشه. ويقول رئيس تحرير صحيفة "الاسبوع" المصرية مصطفى بكري: "أعتقد ان السيناريو المتوقع في حال ضرب العراق بدأ يتضح وتتحدد معالمه في اعلان الدول العربية موقفها من ضرب العراق ومحاولة تجاوز الخلافات العربية - العربية الى حماية الامن القومي العربي. اما السيناريو المنتظر في حال ضرب العراق غير صحيح في ظل ثبات بطلان المزاعم الاميركية التي تؤكدها الايام وتعاقب الاحداث. والسيناريو المفترض ينقسم على محاور عدة: الاول تقسيم العراق الذي بدوره سيفتح الباب لتقسيم الكثير من البلدان العربية. والثاني سيفتح الطريق لاسقاط اي نظام عربي يفكر بالاختلاف مع اميركا. والثالث ان الانظمة العربية لن تستطيع ان تقول لا او تجرؤ على الاختلاف مع اميركا حتى لا يتكرر معها سيناريو العراق اذا استهدف". ويستبعد بكري من ضمن السيناريو المتوقع سقوط النظام العراقي "النظام العراقي ليس نظام طالبان والعراق ليس كأفغانستان ولن يسقط العراق على رغم امكان تدمير اجزاء كبيرة منه وان سقط في اسوأ الاحوال فلن يتم الا بعد ابادة 20 مليون عراقي". ويرى بكري "ان الشارع العربي لن يصمت في حال صمت الانظمة العربية". وقال: "انها لن تغامر وتغض الطرف عما يحصل في العراق خوفاً من الحرج امام شعوبها". ويحذر بكري من مشاركة اسرائيل في ضرب العراق أو استغلال تداعيات الاحداث لتهجير اكبر قدر من الفلسطينيين من اراضيهم. واستبعد الكاتب السياسي السعودي عبدالله ناصر الفوزان ان توجه اميركا ضربة جوية للعراق مصحوبة بحرب برية لهدف اسقاط النظام العراقي. وقال: "لن تجد اميركا في العراق من يخوض الحرب البرية نيابة عنها وبالتالي لن تقدم على ضربة جوية لن تحقق الاهداف المبتغاة او تؤثر في النظام الذي تعتبره عدوها". وفي حال ضربت أميركا العراق فإن السيناريو المنتظر من الدول العربية هو الصمت ولن يكون هناك اي رد فعل عسكري باستثناء بعض الردود السياسية والديبلوماسية التي لا تتجاوز الشجب والانكار من بعض الدول فقط في حال تنفيذ الضربة الجوية. اما في حال اقتران الضربة الجوية بمعركة برية فإنه يتوقع في هذه الحال ردود فعل من بعض الدول العربية كسورية ولبنان. من جهته، قال مستشار الشوون العربية في مركز الدراسات الدولية والسياسية في طهران محمد صادق الحسيني: "لا اظن ان يكون هناك موقف عربي من ضرب العراق. قد يكون هناك موقف حازم يندد ويشجب من قبل الاجهزة الاعلامية اما على صعيد الموقف الرسمي فلا اعتقد ان هناك موقفاً، وان وجد، سيتحول بالتدريج الى نوع من المحاباة لكسب الامتيازات الاميركية التي اظن ان العمل لكسبها بدأ من خلال التجهيز لمنحها الضوء الاخضر وهو القرار الذي ربما يصدر عشية عقد القمة العربية او خلال عقدها". ويؤكد استاذ السياسة في جامعة الكويت أحمد البغدادي ان العرب لن يتحركوا في حال ضرب العراق بعدما وقفوا عاجزين عن ردع اسرائيل والحد من بطشها. الوقوف امام اميركا بقوتها المعززة بتحالف دولي كبير شيء مستحيل. ولا يتوقع البغدادي استهداف العراق بضربة كبيرة لعدم وجود المبرارات التي توافرت لأميركا اثناء ضرب افغانستان، مشيراً الى ان الضربة في حال حدوثها لن تكون قاضية على النظام العراقي بقدر ما ستكون مؤلمة.