غيب الموت في شكل مأسوي الكاتب والمفكر المغربي رشيد الصباغي عن ستة وأربعين عاماً. وإلى أن يكشف التحقيق أسباب وفاته، أكد شهود أنه كان واقفاً على حافة رصيف الميترو، ثم أغمي عليه وسقط على السكة ثم داسته عربة القطار. سرى الخبر في باريس وكان له أثر مدمر في نفوس أصدقائه ومعارفه الذين شاطروه مجد الثقافة العربية في باريس وفورة التنظير في الثمانينات والتسعينات وهو العارف النبيه بانبثاق الحداثة أدباً وفلسفة والمتمكن أيضاً من التراث العربي، وكان يعتبر طه حسين أحد أقطابه الإبستيمولوجيين. لم يكتب رشيد الصباغي كثيراً إذ كانت علاقته بالكتابة علاقة تقشف، يفرش لها بحسب التقليد السقراطي بالقول والحكي والكلام. وتتلمذ بسخاء على ثقافته الغزيرة بعض المثقفين الشرقيين غير الفرانكوفيين. من سارتر إلى لاكان مروراً بميشال فوكو وجيل دولوز وبورخيس وابن عربي والنفري أو ليفي شتروس، حلل رشيد الصباغي انسقتهم قبل أن يفككها في قهقهات تكاد لا تسري في نوع من العدوى إلى الزبائن المجاورين. كانت متعة رشيد السخرية من الابتذال ومن الثقافة السوقية الرائجة في رحاب المشهد الثقافي العربي. اشتغل في مجلة "بريد اليونيسكو"، وكرس معرفته الموسوعية لتوسيع آفاق الحوار مع الآخر. وانسحب رشيد الصباغي من مشهدنا على عجل ليترك الكثر من أصدقائه يتامى في زمن اضمحل رونق الفكر وتعززت مكامن الأحقاد.