محمد المنصور أحد أبرز الممثلين في الكويت والخليج العربي. برز على خشبة المسرح ودافع عن الفنّ الطليعي وعمل مع زكي طليمات ولعب بطولة أوّل فيلم كويتي تحت ادارة خالد الصديق. كما انّه يعتبر اليوم أحد نجوم التلفزيون الأكثر شعبيّة. "الحياة" التقته وسلطت الضوء على مسيرته الفنية الحافلة بالمحطات والتحوّلات والعطاء. ما هو تكوينك الفنّي كممثّل؟ - بعد دراستي الموسيقى ذهبت إلى إنكلترا حيث تقنيات التمثيل التلفزيوني وحصلت على شهادة في إعداد البرامج الثقافية وتقديمها وانتاجها. بعد ذلك تطلعت إلى الدراسة الجامعية في المعهد العالي للفنون المسرحية، فوفّرت لي تلك المحطّة فرصة التحصيل العلمي الأكاديمي والثقافة المسرحية والفنية، وتخرجت في المعهد وحصلت على الترتيب الأول في دفعة العام 1981، ثم ذهبت إلى القاهرة للحصول على شهادة الماجستير في الإخراج المسرحي. ماذا عن بداياتك المهنيّة؟ - نشاطاتي الأولى كثيرة. أول مسلسل كان "الحدباء"، إضافة إلى أعمال أخرى... بالأبيض والأسود. لكن التركيز كان أوّلاً على الأعمال المسرحية، اذ شاركت في عشرات العروض. دخلتَ منذ البدايات في حلقة المسلسلات التراثيّة والتاريخيّة... - لعلّك تشير إلى مسلسل "أسباب النزول" الذي قام بإخراجه نزار شرابي. شاركت حقّاً في أعمال عدّة من هذا النوع، ولم أعد أذكر أسماء المؤلّفين، كان ذلك في أواخر الستينات وبداية السبعينات. والسينما؟ المعروف أن اسمك اقترن سينمائيّاً بالبدايات التأسيسيّة... - هذا صحيح. قمت ببطولة أول فليم كويتي، هو "بس يا بحر" للمخرج خالد الصدّيق. بعد ذلك واصلت نشاطي في المسرح وكنت حريصاً على الاشتراك في الأسابيع الثقافية الكويتية التي كنا نقدمها في الخارج، إضافة إلى المهرجانات العربية المختلفة. واكبت الحركة المسرحية منذ تأسيسها، وعملت مع زكي طليمات... بماذا تختلف تلك الأيّام عن المرحلة الراهنة؟ - فترة زكي طليمات هي فترة التأسيس. لقد وضع اللبنة الأولى ل"مركز دراسات المسرح"، وكنا نحاول ان نتفهم دور المسرح في بناء المجتمع وأهميته في المجتمعات الأخرى. كما ان الأخوان والأخوات الذين جاؤوا للتعلم في تلك الفترة، تعاونوا لاستيعاب أصول هذا الفنّ، وتأسيس مسرح كويتي يؤدي دوراً حقيقياً في النهوض بالمجتمع. واكثر اولئك هم نجوم المرحلة الحالية. أنا شخصيّاً كان لقائي طليمات حاسماً. لقد شجعني على التواصل مع المسرح، مع أنني لم ادخل المعهد. إلتحقت العام 1963 ب"مسرح الخليج" الذي وضع اللبنة الأولى للمسرح. وبعد ذلك انشئ المعهد العالي للفنون المسرحية 1973 الذي رسّخ أسس الحركة المسرحية في الكويت. والفضل يعود إلى الرواد الذين سبقونا في الأربعينات والخمسينات، ومنهم المرحوم حمد الرجيب ومحمد العجيري وعقاب الخطيب ومحمد منيع شيخ الفنانين في الكويت ومحمد النشمي... هولاء يمثلون مرحلة الارتجال حتى بداية الستينات حين ظهرت تباشير المسرح الكويتي الحديث، على يد طليمات وحمد الرجيب وعدد من رواد المسرح الكويتي الحالي. هل توافق على أن المسرح الكويتي نضج في فترة الثمانينات؟ - بل في فترة الستينات والسبعينات... وصولاً إلى منتصف الثمانينات عندما بدأ التقهقر في الحركة المسرحية لسيادة النظرة التجارية على الأعمال المسرحية، وهذه النزعة الاستهلاكيّة هي وليدة مؤثرات خارجية... ما أسباب التقهقر الذي طرأ على المسرح الكويتي في منتصف الثمانينات برأيك؟ - المسرح الكويتي هو جزء من المسرح العربي، وهذا الأخير تأثر بانتشار الظواهر التجارية الطارئة. واعتقد أن السعي الى الكسب المادي السريع هو الذي أخّرنا. المسرح التجاري لا يعطيك الفرصة لتفكر بشكل صحيح، بل تفكر فقط في كيفية تحقيق أكبر الأرباح الممكنة بأي طريقة. اعتقد ان هناك خامات جيدة في الكويت، لكن الجانب التجاري سيطر على كلّ ما عداه، وتضاءل الجانب الفكري. أولئك الذين يطرحون افكاراً بسيطة، مغلفة بأفكار كوميدية وهزلية، "يرتكبون" أعمالاً سريعة لدغدغة مشاعر الجمهور. والخطر هنا أن المتلقّي يتعامل مع الأشياء بشكل سطحي، بعيداً عن المتعة الفكريّة. هذه الآفة فتكت بمعظم المسرح العربي. ألا ترى أنّ زملاءك الفنانين مسؤولون؟ - أنا لا أضع اللوم على الفنّان وحده، بل أحّمل الجمهور جزءاً من المسؤولية، لتشجيعه تلك الأعمال التجارية البحتة. في الستينات والسبعينات كان الجمهور متميزاً، يتذوق ويناقش، أما الآن فلا أحد يحاول مناقشة الفنان. أيّام زمان، خلال الفترة الذهبية، كان الجمهور يتفاعل معنا، ويحاسبنا ويمدنا بالأفكار والموضوعات. تراجع المسرح الكويتي يعود أيضاً إلى التحولات الاجتماعية والثقافية في الخليج؟ - ربّما. هذه التحولات موجودة في كل أنحاء العالم، وقد أثرت في المسرح في كل مكان. بعض المسارح المهمّة أغلقت في إنكلترا، و"مسرح البلشوي" العريق في روسيا أصبح يستجدي الجمهور. وذلك يعود أيضاً إلى التحوّلات السياسية والثقافية والاجتماعية هناك. واعتقد ان التحولات، قد تلعب دوراً إيجابياً أيضاً. أنا واثق من ان المسرح الكويتي يعيش مخاضات وتحوّلات واعتقد انه سيعود إلى تألقه. ماذا عن نشاطك في الدراما خلال العقدين الماضيين؟ ماذا تشكل هذه المرحلة بالنسبة إليك؟ - أعتقد أن الأعمال التي أنجزتها خلال السنوات الماضية هي بين الأبرز في الخليج: "القرار الأخير"، "دارت الأيام"، و"دروب الشك"... أعادت هذه الأعمال إلى الدراما الكويتية والخليجية شيئاً من التوهج والارتقاء، وأعادت لنا الجمهور الذي تفاعل معنا بشكل جميل. ماذا عن كتاب الدراما في الكويت في المرحلة الراهنة؟ ولماذا هذا الانفصام بين كتاب الدراما التلفزيونية والروائيين وكتاب القصة في الخليج بشكل عام وفي الكويت على وجه الخصوص؟ - لا اعتقد أن هناك انفصاماً أو خصاماً. إذا استثنينا الأعمال التي كتبتها فجر السعيد وقمتم بإنتاجها، أين كتاب القصة؟ - موجودون بشكل عام، سواء في المسرح أم في التلفزيون. لكنّهم يتأنّون قبل الاقتناع بالظهور تلفزيونياً. فالمبدع يحتاج إلى وقت، والمسألة ليست فعلاً ورد فعل. إنّه في حاجة إلى أخذ قضايا المجتمع بالاعتبار، وهو يتوخى الحذر، خصوصاً عندما تطرح قضايا حساسة تحتاج إلى المراجعة والأناة. طبعاً النوعية دائماً قليلة. كما أن المسلسلات تتطلب طريقة تعامل وقواعد معيّنة، وليس الكل متفهماً هذه الحال. بعض المبدعين غير قادر على التعاطي مع تلك القضية من دون مرجعيات ثقافية واجتماعية. ومن هنا ندرة كتّاب الدراما، خصوصاً ان الدراما مؤثرة في المجتمع وموجِّهة له. أنا متفائل بالكتاب الجدد بشكل عام... لماذا لم تستطيع الدراما الخليجية حتى اليوم، الوصول إلى المشاهد العربي؟ - بالعكس تماماً. منذ أواخر الستينات تصل الدراما التلفزيونية الخليجية إلى الأقطار العربية كافة... إذا استثنينا مصر التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي. وقد عرضنا مسرحيات في معظم العواصم العربية. على رغم النجاح الجماهيري للأعمال الأخيرة التي أنتجها ابناء المنصور عبدالعزيز المنصور، منصور المنصور…، فإن معظمها لا يتجاوز حد الإسقاط الذهني المباشر، ويبقى عاجزاً عن الوصول إلى عمق المجتمع وأحداث تغيير إيجابي... - نحن لا ننشد التغيير أو الثورة بقدر ما ننشد التفكير والاستنارة والهداية والرؤية المباشرة وتوعية المجتمع. نحن أصحاب رسالة نوصلها من خلال مرآة تعكس ما يحتوي هذا المجتمع من قضايا إيجابية وسلبية. السينما الكويتية التي توقفت في مهدها؟ - السينما تشمل كل مشاغل الانسان، الاقتصادية السياسية أو الاجتماعية وهي تؤرخ لحياة الشعوب. وحين بدأنا، أواخر الستينات، كانت الحركة الاقتصادية في أوجها وكذلك الحال السياسية والاجتماعية. ونحن ضمن الحركة الاجتماعية السائدة آنذاك، بدأنا في طرح جزء من عبق التاريخ الذي كنا نعيشه وما زلنا. هذه الحقيقة لا بد من ان تظهر على الملأ. وتوقفنا مع بداية التفاعلات الاقتصادية التي جاءت بموجة كبيرة من الشركات والأسهم. الجميع انشغل بقضايا الأسهم، ولم يهتم أحد من التجار ورجال الأعمال بالسينما الوليدة. لماذا؟ لأن مردود العمل السينمائي يأتي بعد وقت طويل قياساً إلى التجارة، ويحتاج الفيلم إلى سنتين على الأقل حتى يسترجع كلفته، ويحقق ارباحاً. لذلك توقفنا منذ تلك الفترة بعد فيلم "بس يا بحر" و"عرس الزين"، و"الصمت".