لم يتوقع أحد لهالي بيري حين قامت قبل سنوات بتمثيل دور الممثلة السوداء دوروثي داندردج، ان تقف يوماً على منصة الفوز في احتفالات الاوسكار لتشكر أهل المهنة لمنحها جائزة افضل ممثلة، وهي السوداء، علماً انه ندر ان حازت سوداء على مثل هذه الجائزة السينمائية الرفيعة. دوروثي كانت في الخمسينات اول ممثلة سوداء ترشح للجائزة، وها هي اليوم هالي بيري تحقق الحلم اليوم، تحديداً في موسم غريب فاز فيه ثلاثة من الاميركيين السود بأرفع الجوائز في خطوة لم تكن متوقعة. اذ اضافة الى هالي بيري عن دورها في "كرة الوحش" هناك دنزل واشنطن عن دوره في "يوم التدريب" لجائزة افضل ممثل، وكذلك المخضرم سيدني بواتييه الذي اعطي جائزة خاصة عن انجاز عمره في فن السينما. ولئن كان كثيرون توقعوا ان تأتي "اوسكارات" هذه السنة، في الدورة الرابعة والسبعين، بجديد، فإن هذا هو الجديد الاساسي. ويمكننا ان نعتبر جديداً ايضاً ان يفوز بجائزة افضل فيلم كما بجائزة افضل اخراج بين الجوائز الرئىسية فيلم "عقل رائع" لرون هوارد. فالفيلم جاد وعميق، يطرح موضوعاً من الصعب اعتباره شعبياً: موضوع انفصام الشخصية بين العلم والجنون، من خلال حكاية عالم الرياضيات الاميركي جون ناش، الذي فاز بجائزة نوبل في 1974، بعدما شفى نفسه - جزئياً - من انفصام اصابه. ملفت ان "عقل رائع" هو الاكثر اميركية، موضوعاً واخراجاً، بين الافلام المرشحة. وملفت ان هالي بيري ودنزل واشنطن فازا بفيلمين اميركيين خالصين. وان كل الافلام الفائزة في الفئات الاساسية تبدو اميركية، مع ان الترشيحات ذاتها كانت الاكثر ابتعاداً عن الانغلاق الاميركي على الذات. فهل يمكن افتراض ان اهل المهنة - الذين يختارون الفائزين عادة - احبوا ازاء ترشيحات كريمة، ان يضيقوا الرقعة الجغرافية للفوز، من دون التقليل من اهمية الفائزين ودلائل فوزهم؟ تمكن الاشارة الى ان النتائج لم تأخذ في حسابها كل التكهنات التي سادت خلال الشهور الماضية. فلا "سيد الخواتم" فاز بجوائز كبرى مكتفياً بجوائز تقنية، للموسيقى والماكياج وما شابه ولا "الطاحونة الحمراء" كان "فلتة الشوط" اكتفى بأمور مثل جائزة الملابس وبات على بطلته الرائعة نيكول كيدمان ان تنتظر فرصة اخرى.... من الأجانب فاز جيم برودبانت، كأفضل ممثل مساند عن "آيريس" الذي يحكي حياة الكاتبة آيريس مردوك. اما الفوز "الاجنبي" الاكبر فكان للبوسني دانيس تافونيتش عن فيلمه "ارض لا أحد" الذي كان لفت الانظار خلال مهرجان "كان"... وهذا الفيلم الذي يطرح، عميقاً، مسألة الحرب من خلال مجابهة بين جندي صربي وآخر بوسني وجدا في خندق واحد، يشكل فوزه بجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي صدمة للفرنسيين، وإن كانوا من أوائل الذين شجعوا "ارض لا احد" خلال الشهور الفائتة، ذلك ان هذا الفوز حرم فيلمهم القومي المفضل "مصير اميلي بولان الخرافي" من جائزة كانت مضمونة. ولكن... واضح ان لا شيء كان مضموناً حقاً في اوسكارات العام الرابع والسبعين. الاوسكارات التي توجت عاماً سينمائياً ما زال حتى اليوم يرزح تحت اعباء احداث 11 ايلول سبتمبر، التي ايقظت الاميركيين، في شكل عام، على واقع جديد فقرروا ان يجابهوه. وها هي "الاوسكارات" تعكس ذلك، عبر التفاف أكبر على ذواتهم، وربما ايضاً عبر توزيع اكبر للفرص بين شتى اقلياتهم، في وضع حتى الانغلو-ساكسون غير الاميركيين بات عليهم فيه ان يكتشفوا ان للكرم الأميركي حدوداً.