قد يبدو الأمر ممارسة اجتماعية غايتها تكريس شعبية السيدة الأميركية الأولى، ومع هذا، حين يطلب من ميشيل أوباما أن تعلن وهي في كامل أناقتها وظرفها، اسم الشريط الفائز بأوسكار أفضل فيلم في احتفالات الأكاديمية ليل الأحد بتوقيت لوس انجليس، من على بُعد أكثر من 4600 كيلومتر من مكان الاحتفال عبر شاشة عملاقة، وفي سابقة لافتة، يكون في الأمر اهتمام استثنائي بالفن السابع، من قِبَل البيت الأبيض... أو لربما اعتراف من السياسة بأفضال السينما عليها. صحيح ان الاعتراف ليس جديداً، لكنه لم يكن بمثل هذا الحجم في الماضي... ولربما تأتي أهميته المضاعفة من كون أسئلة كثيرة تطرح اليوم، وفي هوليوود تحديداً، حول هوية السينما ومستقبلها... لا سيما في عام بدا فيه معظم الإنتاج السينمائي الأميركي الكبير مغموراً بالاهتمام السياسي أوالتاريخي، أو الإثنين معاً. مع أفلام مثل «لنكولن» و»جانغو» و»آرغو» و»زيرو دارك ثيرتي»... وغيرها، تبدو السينما كأنها باتت وعاءً حقيقياً للتاريخ، سواء كان بعيداً أو قريباً. فهل يمكننا ان ننطلق من هذا لنفترض ان أميركا- من طريق السينما هذه المرة – تبدو كأنها تراجع تاريخها... وكأن السينما باتت المكان المفضل، وربما الأكثر ملاءمة لمثل هذه المراجعة؟ في هذا الإطار، هل يعود مهمّاً حقاً ان يخرج فيلم كاثرين بيغلو حول قتل بن لادن بما شاكله من سجالات حول الأساليب التي تمارسها «سي آي إي» لانتزاع الاعترافات، من مولد الأوسكارات من دون حمّص؟ وهل مهمّ ان يخيب فأل سبيلبرغ إذ لم يتمكن فيلمه الأجدّ «لنكولن» من انتزاع أكثر من جائزة كبيرة واحدة- هي المتوقعة من دون منازع لبطله الإنكليزي- الإرلندي المبدع داني داي لويس؟- وهل مهمّ ان يكون الأوروبيون انتزعوا جوائز عديدة (افضل ممثل مساعد للنمسوي كريستوف والترز عن دور صائد جوائز الماني يجول أميركا ما قبل الحرب الأهلية في تحفة تارانتينو الجديدة «جانغو» ، وأفضل أزياء للفيلم المقتبس عن رواية «آنا كارنينا» لتولستوي من إخراج الإنكليزي جو رايت، وأفضل ممثلة مساعدة لآنا هاتاواي عن دورها في «البؤساء» عن فكتور هوغو، من اخراج الألماني توم هوبر، ناهيك بأفضل اغنية فازت بها الإنكليزية أديل عن الفيلم الجيمسبوندي «سكايفال»)، إضافة الى كون الصيني الأصل آنغ لي انتزع بضع جوائز بفيلمه «حياة باي» بينها جائزة أفضل إخراج؟ ويمكن هذه اللائحة «الأجنبية» ان تطول، حتى من دون التوقف عند فوز النمسوي ميكائيل هانيكي بأفضل فيلم أجنبي عن فيلمه الفرنسي «حب»، او التوقف عند فوز المغربي الأصل مالك بنجلول بأفضل فيلم وثائقي طويل عن «البحث عن شوغارمان»... ما يستدعي سؤالاً حاسماً: أين أميركا في هذا كله؟ حسناً هي هنا... في كل مكان في الأوسكارات، لكنها أميركا المُعولَمة، أميركا الرصد التاريخي والجغرافي والفرص الكبرى، أميركا التي تعطي نجمَ تمثيل راسخاً فرصة ذهبية كي يتحوّل مخرجاً مرموقاً (بن آفليك صاحب الفيلم الفائز بأوسكار افضل فيلم عن «آرغو») ولو عبر حكاية تلوح رائحتها السياسية، الماضية والراهنة، أكثر نفاذاً من رائحتها الفنية إذ تستعيد فصلاً تشتغل فيه السينما، بالمعنى الحرفي للكلمة، لإنقاذ ديبلوماسيين أميركيين من أيدي ثوار طهران. لقد نافس هذا الفيلم التشويقي البوليسي تحفاً سينمائية وانتصر عليها من دون ان يُفاجأ أحد بذلك. فأميركا من خلال استيعابها الآخرين، تعرف كيف تكرّم نفسها ايضاً، تحديداً من خلال تجديد متواصل، مثّله هنا نجمٌ تحوّل مخرجاً، ولكن مثّلته أيضاً نجمة سينما مستقلة بالكاد تجاوزت سن المراهقة لتفوز بأوسكار افضل ممثلة على مخضرمات (جنيفر لورانس في «الأمل المشع»). للوهلة الأولى قد تبدو لائحة الأسماء الفائزة في أوسكارات هذا العام مفاجئة. ولكن ليس فيها ما يفاجىء سوى استبعاد اسماء راسخة كانت «موعودة» بفوز متعدد (سبيلبرغ وبيغلو وحتى تارانتينو...) لكنها ستضطر الى الاكتفاء باحتفال أعاد - بحضوره ومتابعيه بالملايين في أنحاء العالم - الى السينما مكانتها وإلى هوليوود عولمتها، بشهادة ميشيل أوباما التي ارتدت أجمل ما عندها لتعلن انطلاقاً من البيت الأبيض إيماناً أميركياً لا ينضب، بالسينما وعالميتها وبأميركا حاضنة لسينما العالم وقضاياه.