كنت اتصفح كتاباً في مكتبة لأقرر إذا كنت سأشتريه عندما فوجئت بالمؤلف يترجم الى الإنكليزية شعراً لعبدالرحمن الداخل هو: تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت شبيهي في التغرب والنوى وطول التنائي عن بنيّ وعن اهلي نشأت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي الكتاب هو "العبيد السود في الإسلام" من تأليف رونالد سيغال، وهو جنوب افريقي ابيض اشتهر بمعارضة التمييز العنصري. أعترف بأنني "شكّاك"، وهي طبيعة رسّخها العمل الصحافي، فعندما كنت في الجامعة، وأتناول الغداء في مطعم "فيصل" المعروف كنت أسأل الغرسون ماذا يقترح، فإذا اقترح شيئاً طلبت غيره، اعتقاداً مني ان الطلب قليل على الطعام المقترح، والغرسون يحاول بيعه. وسمعت من الكذب في دنيا السياسة بعد ذلك ما جعل تلك العادة تتأصل في النفس. وفي حين ان الشك مفتاح اليقين، فهو عندي مفتاح شك آخر. وهكذا فقد قرأت العنوان واسم الكتاب، وهو يدل على انه يهودي، واشتريته بعد ان غلبني الشك في اسبابه. غير انني أستطيع ان أقول بثقة ان مستوى البحث الأكاديمي فيه عالٍ جداً، والجهد المبذول يجعلني اقطع انه سبق بوقت طويل ارهاب 11 ايلول سبتمبر الماضي، مع ان هذا الإرهاب لا بد من ان يزيد عدد قراء الكتاب. المؤلف حسن الاطلاع، وإلى درجة ان يتحدث عن زرياب المغني. غير ان القارئ المهتم سيجد مادة افضل، وأوسع عن تلميذ اسحق الموصلي في "تاريخ الأدب الأندلسي" للدكتور احسان عباس الذي حكى لنا يوماً كيف زاد زرياب وتراً خامساً في العود واستعمل مضراباً من قوادم النسر، بدل الخشب، ووصف لنا مجالس الغناء في الأندلس والغواني اللواتي تعلمن في مدرسة زرياب. لن أناقش سيغال في المادة التاريخية، فهو يعرف موضوعه جيداً، وبالتأكيد اكثر مني. ولكن اسجل له ملاحظته ان الإسلام كان اكثر رحمة بالعبيد من أي دين آخر، وأي إساءة لمبدأ "لا رقّ في الإسلام"، أو إفراط أو تفريط، هي من الأشخاص وخلافاً لتعاليم الدين وتقاليد النبي العربي، الذي رفض مثلاً خصي العبيد، وجاء بعده من التف على المنع، خصوصاً خلال الحكم العثماني. وعلمت من الكتاب ان هناك فرقاً بين الرق عندنا وفي الغرب، فعندنا كان العبيد يشترون للخدمة في البيوت، ويتفاخر الأثرياء بهم. أما في الغرب فشراؤهم كان في الأساس ليعملوا في المزارع ثم المصانع. ومن نتيجة هذا الفرق ان الطلب على الجواري زاد بنسبة ثلاثة الى واحد على الذكور عند العرب، في حين ان النسبة هذه معكوسة في اميركا. الفصل الأخير من الكتاب محرج للعرب والمسلمين، فهو يتحدث عن استمرار الرق في بلدان عربية كثيرة حتى الستينات، وربما الثمانينات، ويقول إنه لا يزال يمارس اليوم في موريتانيا والسودان. وكنت قرأت قبل ايام تقريراً يقول ان أخبار الرق في السودان غير صحيحة، وأن هناك تجاراً محليين يقبضون ثمن "العبيد" من ممثلي جمعيات اجنبية مناهضة للرق، ثم يقتسمون الثمن مع العبيد المزعومين. أقول "ليت شعري ما الصحيح؟"، وأكمل بالخاتمة فهي مهمة، وتتحدث عن انتشار الإسلام بين السود في الولاياتالمتحدة، ومع ان اول الدعاة المحليين خلطوا الدين بالخرافة في مطلع القرن الماضي، فإنه لم ينتصف القرن حتى كانت هناك جماعات من المسلمين السود الذين يعرفون امور دينهم. اليوم نعرف اسم مالكولم اكس الذي قتل، وحمل راية امة الإسلام بعده لويس فرخان. المسلمون السود من جماعة فرخان يتهمون اليهود، لا العرب، بممارسة الرق، ويزيدون عليها تهماً قديمة وحديثة من نوع انهم قتلوا السيد المسيح، وأنهم مرابون، ويستغلون الأميركيين السود، وأنهم يسيطرون على العالم، ويتعمدون اصابة اطفال السود بالإيدز. ويستغرب المؤلف ان يناصب المسلمون السود اليهود الأميركيين العداء لأن الفريقين خاضا معاً حملة الحقوق المدنية في الخمسينات والستينات. وهو يقول ان لا دليل فعلياً على اشتراك اليهود في تجارة الرقيق، ومع ذلك فالسود يصدقونها من دون دليل. الموضوع مؤلم فأفزع منه الى الشعر، وأختم، كما بدأت، بعبد الرحمن الداخل الذي يسميه المؤلف عبدالرحمن الأول فاترك القارئ مع شعر آخر له في الحنين الى وطنه الشام يستطيع كل مغترب عربي ان يردده. الشعر هو: ايها الراكب الميمّم ارضي أقر من بعضي السلام لبعضي ان جسمي كما علمت بأرض وفؤادي ومالكيه بأرض قدّر البين بيننا فافترقنا وطوى البين عن جفوني غمضي قد قضى الله بالفراق علينا فعسى باجتماعنا سوف يقضي