بقي اسبوع تقريباً على موعد انعقاد القمة العربية، وهو فترة قصيرة تتفاعل خلالها نشاطات ديبلوماسية مكثفة وتثار فيها اسئلة جوهرية أهمها تلك المتصلة بالصراع العربي - الاسرائيلي، وسبل حله والنيات الأميركية تجاه العراق. وتبرز في وسط هذا المشهد الحافل بالتوتر في المنطقة، التهديدات الاميركية بضرب العراق آجلا إن لم يكن عاجلاً و"الرؤية" الاميركية لدولة فلسطين القابلة للحياة المتصور قيامها الى جانب اسرائيل على ان تعيش الدولتان وشعباهما ضمن حدود آمنة معترف بها، لكنها حدود لا يبدو ان الاميركيين مستعدون لتعريفها تعريفاً واضحاً، ولا يقترحون جداول زمنية لتثبيتها وصولاً الى تسوية نهائية. كذلك تبرز مبادرة السلام التي اقترح خطوطها العريضة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والتي تستمد قوتها ليس فقط من استنادها الى قرارات الاممالمتحدة، وهي قديمة تعتبر الولاياتالمتحدة واسرائيل المسؤولتين الرئيستين عن تأخير تنفيذها، وانما من توقيتها الذي يقدم فرصة وحافزاً لواشنطن كي تنخرط بجدية في جهود تحقيق السلام، خصوصاً بعدما جعل الاميركيون "عملية" السلام عملية دائمة متعثرة بدلاً من المساهمة في توجيهها نحو غايتها الحقيقية، وهي تحقيق تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة. لكن المبادرة السعودية تستمد قوتها ايضاً من كونها تصوراً متكاملاً لحل سلمي قوامه صفقة مبادلة حاسمة الأهمية: انسحاب اسرائيلي تام من الأراضي العربية المحتلة منذ حزيران يونيو 1967 وفقاً للقرار 242 وحل عادل لقضية اللاجئين وفقاً لقرارات الاممالمتحدة مقابل علاقات سلام طبيعية، بكل ما تعنيه هذه العبارة. وفي حدود ما هو متوافر من معلومات حتى الآن، علماً ان هذه المبادرة لن تعلن الا خلال قمة بيروت وعندما يكون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بين اشقائه القادة العرب، فإن ثمة تفاهماً عربياً عاماً على ان تطالب القمة الولاياتالمتحدة بآليات لتنفيذ صفقة المبادلة هذه، ربما من خلال مؤتمر دولي يحضره كل الاطراف المعنية. ويبدو ان الموقف العربي المتبلور حول المبادرة السعودية متفق على ضرورة عدم التخلي عن الاتفاقات الموقعة حتى الآن بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وانما البناء عليها، مع اعتبار تفاهمات تينيت وتوصيات لجنة ميتشل مدخلاً للعودة الى المفاوضات. والملاحظ الآن هو ان اسرائيل تحاول التلاعب بتفاهمات تينيت وتوصيات ميتشل، الأمر الذي يعني رفضها اتخاذ حتى الخطوة الأولى نحو فتح الأفق السياسي للتسوية. كما لوحظ تركيز الجانبين الاميركي والاسرائيلي على شق واحد من شقي المبادرة السعودية، وهو العلاقات الطبيعية مع اسرائيل في معزل عن اي حديث جدي عن الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي العربية. ويبقى الموقف الفلسطيني المعروك بالتجارب المريرة والوعود الكاذبة والمعاناة الشديدة والتضحيات الكبىرة البوصلة التي ينبغي ان تهدي كل الأطراف الى الوجهة الصحيحة نحو تحقيق سلام دائم عادل وشامل، وإلا فإن كل الجهود المبذولة الآن ستضيع سدى وسيستمر مسلسل عدم الاستقرار والقتل المتبادل. ويتلخص موقف الفلسطينيين في أنهم على استعداد لقبول تنفيذ تفاهمات تينيت وتوصيات ميتشل كمدخل، مجرد مدخل، للحل، لكنهم ليسوا مستعدين، بعد كل ما قدموه من تضحيات وتعرضوا له من جرائم واعتداءات اسرائيلية لقبول وقف للنار كي ينعم الاسرائيليون وحدهم بالهدوء. ويلمس المرء من خلال الحديث مع شخصيات فاعلة في الساحة الفلسطينية ان الحديث عن دولة فلسطينية لم يعد يشكل اغراء لأن الدولة كما يتصورها الاميركيون والاسرائيليون لا تعني نهاية الاحتلال، لكن انهاء الاحتلال ومعه نهاية الاستيطان يعني بالضرورة قيام الدولة. وعليه فإن المطلب الفلسطيني الأول والأهم هو جدول زمني قصير لإزالة الاحتلال والاستيطان. والانطباع الذي يخرج به المرء من خلال الحديث مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة هو انهم على قناعة بأنهم حققوا قدراً من توازن الرعب مع حكومة شارون، وان أي مغريات أو غطرسة قوة اسرائيلية لن تتمكن من صدهم عن العمل ليل نهار ومن دون تعب أو كلل من أجل انهاء الاحتلال.