سيوجه العرب خلال قمة بيروت رسالة سلام الى الرأي العام الإسرائيلي والرأي العام العالمي. هكذا يفهم بعض القادة العرب ووزراء الخارجية المبادرة التي ستنتهي إليها القمة العربية الأسبوع المقبل، وهذا يفترض ان يقابل الرسالة جواب من الغرب وإسرائيل بعد القمة، يجعل من الممكن ان تصبح مرحلة عمليات القتل والاقتلاع والتدمير وإعادة الاحتلال التي تمارسها حكومة أرييل شارون في الأراضي الفلسطينية، من الماضي، وأن تحل مكانها لغة التفاوض ومواصلة البحث عن حل سلمي للقضايا التي تسببت في الانتفاضة الفلسطينية في ايلول سبتمبر 2000. لكن الأمر يتطلب، بداية، ان يحصل التحول لدى الرأي العام الإسرائيلي، أي ان يتلقى الرسالة، ويستقبلها بالمعنى الإيجابي للكلمة، وأن يصبح التفويض الذي اعطاه لقادته بقمع الفلسطينيين بالقوة وإطلاق العنان للآلة العسكرية، لاغياً، أو مختلفاً تماماً. وهذا التحول لدى الرأي العام الإسرائيلي يفترض ان يتعدى الأمر خفض شعبية شارون، كما تشير استطلاعات الرأي الى أقل من خمسين في المئة، لأنه ليس دليلاً على ان الاتجاهات السياسية للإسرائيليين انتقلت الى خيار آخر، بل دليل على ان ما وعد به شارون من انهاء للانتفاضة لم يتحقق، فأصيب الذين فوضوه بخيبة يكثر المعلقون الإسرائيليون هذه الأيام من الكتابة عنها لسبب بسيط هو الذهول، لأن الفلسطينيين ارتضوا لأنفسهم هذا المقدار من التضحيات والاستشهاد ما دام الإسرائيليون يستخدمون السيف بلا رحمة. هل يعني هذا الذهول، وهذه الدهشة، ان الدم الفلسطيني يكاد ان يغلب السيف الإسرائيلي ويدفع الذات الإسرائيلية الى الحد الذي يحدث تحولاً في اتجاه القبول بالآخر؟ ولنفترض ان تحولاً من هذا النوع سيحصل، فهل القيادة الإسرائيلية الحالية - بما فيها قيادة حزب "العمل" التي ترفض الذهاب بالخيارات العسكرية لشريكها الليكودي الى النهاية - قادرة على بلورته في مشروع حقيقي للسلام مع الفلسطينيين؟ فلطالما ايد الأوروبيون والأميركيون ما سبق للقادة الفلسطينيين، ولعزمي بشارة، ان اكدوه، وفحواه أن شارون لا يملك مشروعاً سياسياً وأن جلّ ما لديه هو الحل الأمني. وليس معقولاً ان يمتلك مشروعاً سياسياً بين ليلة وضحاها. فسياسته الآن تقتصر على محاولة استرضاء اليمين خوفاً من المزيد من الانسحابات من حكومته، وعلى الحؤول دون اشتداد عود حزب العمل مجدداً، فيما هو يتخبط في التعاطي مع ما يطالب به الأميركيون من تنازلات وانسحابات فرضتها قراءتهم للظروف الدولية، وحاجتهم الى التهدئة من اجل الانتقال الى مرحلة الحرب على العراق. إنه عالق في السياسة الداخلية، والأحداث برهنت ان هذا الوضع هو اسهل الطرق لاتباع سياسة الهرب الى أمام. ألم تؤد المنافسة بين "العمل" و"ليكود" في 1996، بأحد "الحمائم"، شمعون بيريز، الى اعتماد سياسة قادت الى مجزرة قانا؟ لا يُقصد من هذا الكلام التقليل من اهمية ما يعتمل داخل الرأي العام الإسرائيلي. ومراجعة الصحف الإسرائيلية تظهر كل يوم تقريباً المدى الذي يذهب إليه بعض المعلقين في التعبير عن المرارة والإحباط ازاء سياسة قادتهم اعتماد العنف ضد الفلسطينيين. وبعض هؤلاء المعلقين ربما كان من الذين كتبوا الكثير ضد الفلسطينيين وتحينوا فرصة اعتداءات 11 ايلول سبتمبر ضد الولاياتالمتحدة من اجل وصم الفلسطينيين بالإرهاب، وانتعشوا. ولا بد من رصد هذا التحول لدى هؤلاء لأنه مرآة لتفاعلات المجتمع الإسرائيلي. ولكن ما لا بد من رصده ايضاً هو ان "الصدمة" الحقيقية التي تنقل الإسرائيليين فعلاً الى حال اخرى لم تحصل بعد. وأمس كتب غي بيشور في "يديعوت احرونوت" انه نظراً الى "عمق العداء الفلسطيني، لا خيار امام إسرائيل إلا ان تدهش العالم بأن تعتمد خيار تكتيكات صدمة علاجية تكون عكس ما حصل في اوسلو التي قامت فكرتها على عدم معرفة الى أين ستقودنا، والوقت حان لأن نحدد ما ستكون عليه الأمور في النهاية، سواء مع الفلسطينيين ام من دونهم". ما يعنيه هذا الكلام ان اي خيار سياسي جديد يفيد من تحولات الرأي العام قد يتطلب قيادة جديدة، يحتاج قيامها الى عملية سياسية معقدة في إسرائيل لن تكون سريعة. وهو خيار، كي يكون تحولاً بالفعل، استراتيجي وليس تكتيكياً.