الأرجح أن بغداد تتمنى أكثر من أي جهة أخرى إستمرار المواجهات بين الاسرائيليين والفلسطينيين. فإنفراج هذه المواجهات يعني، في تصور القيادة العراقية، تحضيراً لمسرح العمليات الحربية الأميركية ضدها. يتوقّع أن تشهد جلسات القمة العربية المقبلة في بيروت موقفاً عراقياً متشنجاً لا في خصوص الدعوة الى رفع العقوبات، ولا المطالبة بموقف عربي متضامن مع مواقفه ضد الولاياتالمتحدة، إنما لجهة ضرورة تبني القمة شعار إستمرار المواجهات تحت شعار دعم الإنتفاضة والعمل من أجل إدامة زخمها. لماذا؟ لأن الواضح أن القيادة العراقية تحاول تجنب الضربة الأميركية المحتملة عن طريق الإحتماء وراء الإنتفاضة الفلسطينية وشهدائها ودمائها. قد يكون من الخطأ الإعتقاد أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني وحده فشل في تحقيق الهدف العراقي من جولته، وذلك بسبب مواجهته معارضة عربية واسعة لتوجيه أي ضربة عسكرية أميركية الى العراق. فالواضح أن وقع الفشل في جولة نظيره العراقي نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت ابراهيم كان أفدح. فالأخير واجه في جولته مطالبات وضغوطاً عربية هائلة تدعو بغداد الى السماح بعودة المفتشين الدوليين، ما دعا بمسؤول عراقي رفيع المستوى الى إعلان استعداد بلاده لاستقبال المفتشين الدوليين. هذا في الوقت الذي لم يبد تشيني في كل أحاديثه العلنية أي تحول أو تغيير في سياسة بلاده إزاء العراق. في مشهد ثالث، يصح القول إن الديبلوماسية الكويتية سجلت نجاحاً باهراً، وهي فاجأت بغداد، حين أعلن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد معارضة بلاده ضرب العراق في الوقت الراهن. وكانت بغداد تتوقع أن تغرد الكويت خارج السرب العربي. وما زاد من النجاح الكويتي أن المسؤولين الكويتيين شددوا على مطالبتهم القيادة العراقية بالسماح للمفتشين الدوليين بالعودة من دون الإلحاح في توقيت خاطئ على تفاصيل قرارات دولية أخرى. على صعيد ذي صلة، ومن جملة الحسابات الخاطئة للقيادة العراقية، تصورها أن المواقف العربية الراهنة تجاه العراق هي دعوة لتأهيل النظام العراقي، وإنتصار لطروحات بغداد وجهودها الديبلوماسية. بينما الوقائع تؤكد أن الدول العربية لم تكن مجتمعة الكلمة، كما هي اليوم، في مطالبتها بغداد بضرورة عودة المفتشين الدوليين وإخضاع قدرتها العسكرية في مجال اسلحة الدمار الشامل الى التفتيش والمراقبة الدولية. وهذا ببساطة قد يوحي في ظاهره ببعض الإنتصار العراقي، لكنه في الجوهر لا يشكل سوى إصطفاف عربي واسع ولافت وراء الشعار الدولي الرئيسي المتعلق بضرورة عودة المفتشين من دون قيود أو شروط. كاتب كردي عراقي.