تماماً كما خططت الإدارة الأميركية: أنهت العام 2002 بإحكام الطوق حول العراق والذي بدأته مطلع العام وتجلى بإدراجه ضمن "محور الشر". ووصلت الضغوط الأميركية إلى ذروتها في الشهور الثلاثة الأخيرة، مع استصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1441 في 8 تشرين الثاني نوفمبر في شأن عمل المفتشين، لتشديد القيود على بغداد، فضلاً عن ارسال جنود وعتاد إلى المنطقة واجراء مناورات، بحيث باتت القوات الأميركية قادرة على شن حرب على العراق، بعدما بات واضحاً تصميم البيت الأبيض على تغيير نظام الرئيس صدام حسين. العراق أصر على التذكير بأنه لا يدافع فقط عن نفسه، وبأن الهجمة الأميركية لن تتوقف عند حدوده، مؤكداً أن الهدف الأميركي من الحرب، إضافة إلى السيطرة على النفط، هو "إعادة رسم خريطة المنطقة"، ومشدداً على أنه سيقاوم الغزو الأميركي "من بيت إلى بيت". استهلت الولاياتالمتحدة عام 2002 بتركيز ضغوطها على العراق، وسعت إلى فرض ما سمي "العقوبات الذكية". ففي "خطاب الاتحاد" نهاية كانون الثاني يناير، شن الرئيس جورج بوش حملة عنيفة على العراق وأدرجه ضمن "دول محور الشر"، الذي ضم إيران وكوريا الشمالية. واتهم بوش بغداد ب"التآمر منذ أكثر من عشر سنين لتطوير انثراكس وأسلحة نووية"، وأكد عزم واشنطن "على منع مثل هذه الأنظمة من تهديد الولاياتالمتحدة بأسلحة دمار شامل". واستعرت معركة "العقوبات الذكية" بين الولاياتالمتحدة والدول الأخرى في مجلس الأمن، خصوصاً روسيا، وزار نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز موسكو للبحث في مسألة "العقوبات الذكية"، لكنه سرعان ما غادرها غاضباً بسبب ما وُصف بأنه "عرقلة مسؤولين روس" لقاءه الرئيس فلاديمير بوتين. وكان لافتاً ما كتبته صحيفة "الثورة" العراقية قي 20 كانون الثاني من أنه "يحق لبغداد امتلاك أسلحة الدمار الشامل لردع إسرائيل". وفي خطاب ألقاه الرئيس صدام حسين في 16 كانون الثاني، ذكرى اندلاع حرب الخليج الثانية، تحدى صدام الولاياتالمتحدة أن توجه ضربة لبلاده، قائلاً إنه "لا يخشى أبداً"، ودعا إلى "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر". تزامن ذلك مع "ضبط" إسرائيل باخرة تقل أسلحة إلى الفلسطينيين، تردد أنها شُحنت من العراق أو إيران. بوش "لا يحتمل العيش مع صدام" وحذر رئيس الحكومة التركية آنذاك بولند اجاويد بعد زيارة للولايات المتحدةالعراق من "عواقب وخيمة" في حال رفض عودة المفتشين، وكشف أن "الرئيس بوش مصر على إطاحة صدام، فالرئيس الأميركي لا يحتمل العيش بوجود صدام". وأعلنت تركيا رفضها أي عمل عسكري، معربة عن تخوفها من نتائجه ومضاعفاته، إن بالنسبة إلى الخسائر الاقتصادية التي ستتحملها أو خشية من "استغلال" أكراد العراق، التطورات لإعلان ما وصفته ب"الاستقلال" في المناطق الخاضعة لنفوذهم، وتأثير ذلك على الأكراد في أراضيها، ما يهدد وحدتها. وبدأت ترشح في تلك الفترة شباط/ فبراير أنباء عن وجود خبراء أميركيين عسكريين في كردستان لاستكشاف إمكان تأهيل مواقع عسكرية، خصوصاً مطارات لاستخدامها في الحرب على العراق. ومع أول استعدادات عسكرية أميركية، برزت بوادر معارضة أوروبية للحرب، قادتها المانيا التي حذرت من "تفرد" الولاياتالمتحدة بالحملة الدولية على الإرهاب والعراق، ومن مغبة أي "مغامرة" عسكرية في هذا البلد. في غضون ذلك، واصل العراق حملته على المفتشين الدوليين، رافضاً عودتهم، ووصفهم بأنهم "جواسيس"، عارضاً الحوار مع الأممالمتحدة، ومبدياً رغبته ب"صفقة شاملة" لا تقتصر على إمكان عودتهم. وتعمد صدام، خلال لقائه رئيس منظمة الطاقة الذرية فاضل الجنابي 16 شباط تأكيد أن "العراق لا يسعى إلى امتلاك أسلحة دمار شامل". وبدأت بغداد في تلك الفترة انتهاج سياسة "مهادنة" تصالحية، أدت إلى اختراق نسبي في الحصار السياسي والديبلوماسي المفروض على العراق. ففي آذار مارس عاودت الحوار مع الأممالمتحدة، إذ أجرى وزير الخارجية ناجي صبري محادثات مع الأمين العام كوفي أنان في نيويورك لم تسفر عن نتائج، لكن الطرفين اتفقا على استئناف المحادثات في أيار مايو. وجددت بغداد دعوتها إلى اتفاق شامل مع المنظمة الدولية لا يقتصر على عودة المفتشين أو تطبيق القرار 1284 أيلول/ سبتمبر 2001 الذي ينص على عودتهم، وشُكلت هيئة سميت "لجنة الرصد والتحقق والتفتيش" برئاسة هانس بليكس. وأبدى العراق مرونة في القمة العربية في بيروت التي عقدت نهاية اذار مارس، والتزم في البيان الختامي للقمة احترام سيادة الكويت وأمنها، ما أدى إلى إشاعة أجواء ايجابية، تجلت بترحيب عربي، خصوصاً كويتي. وشهدت القمة عناقاً بين ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي عزة إبراهيم الدوري. واستمرت هذه الأجواء الايجابية بضعة شهور عقد العراق خلالها اتفاقات تجارية مع العديد من الدول العربية، بينها إقامة مناطق تجارة حرة، كما فُتح منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية أمام التجارة بين البلدين، وتزامن ذلك مع المشاركة البارزة لشركات سعودية في معرض بغداد في الأول من تشرين الثاني نوفمبر. على خط آخر، سعى العراق إلى تحسين علاقاته مع إيران وتركيا بهدف استقطابهما أو تحييدهما في حال حصول عمل عسكري أميركي. وزار ناجي صبري طهران مرات لإغلاق ملف الأسرى والمفقودين، وجرى تبادل الأسرى بين البلدين، وتضاعف عدد الزوار الإيرانيين للأماكن الدينية في العراق. واصيبت هذه الجهود بنكسة في 23 تموز يوليو حين أعلنت بغداد اعتقال عراقيين أعضاء في "تنظيم مرتبط بإيران" يسعى إلى تنفيذ عمليات "تخريبية" في العراق. وأذاع "تلفزيون الشباب" اعترافات اثنين من أعضاء التنظيم بالتدرب في معسكرات ل"الحرس الثوري" الإيراني. في المقابل واصلت الولاياتالمتحدة جهودها لتشديد الضغوط على العراق، وزار نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني المنطقة في جولة واسعة شملت 11 دولة تحت عنوان "كسب الدعم للحرب على الارهاب". سبقت الجولة تصريحات عربية منتقدة التوجه الاميركي في شأن العراق، ما حدا بتشيني الى اعلان ان برنامج زيارته لا يتضمن ملف العراق ولا ضربه. وأبلغته تركيا مجدداً رفضها أي عمل عسكري ضد بغداد. وهبت بريطانيا لنجدة حليفتها، فأعلنت استعدادها للاشتراك مع الولاياتالمتحدة في عمل عسكري ضد العراق "اذا توافرت ظروف صحيحة". واللافت ان مجلس العموم البريطاني علق جلسة بعد تبادل شتائم بين بعض أعضائه اثر جدل صاخب حول احتمال ضرب العراق. ومع اعلان بغداد في أيار "أسر" طائرة تجسس اميركية من دون طيار، اتهمت الولاياتالمتحدة اوكرانيا بتصدير نظام رادارات متطور للعراق في "صفقة سرية" كان الرئيس الأوكراني ليونيد توشما عرابها. واستؤنفت في الشهر ذاته المحادثات بين وزير الخارجية العراقي والأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، ونوه صبري ب"روح التعاون" مشيراً الى "نتائج ايجابية وبناءة"، من دون ان يعلن قبول العراق عودة المفتشين التي أصرت عليها واشنطن. وأعلن العراق في غضون ذلك قبوله القرار 1409 الذي يشدد القيود على استيراد المواد ذات الاستخدام المزدوج لأغراض عسكرية ومدنية. فشلت الولاياتالمتحدة في اثبات أي علاقة للعراق بالارهاب، خصوصاً لقاء محمد عطا أحد خاطفي الطائرة التي صدمت مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 ايلول 2001 بمسؤول استخبارات عراقي في براغ. وخرج نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز ليعلن ان بلاده عرضت على الولاياتالمتحدة تسليمها عبدالرحمن ياسين الموجود في بغداد المتهم بتفجير مركز التجارة عام 1993. وفي حادث غامض، أعلن العراق "انتحار" صبري البنا أبو نضال في بغداد في آب اغسطس في حين رجحت مصادر أخرى "اغتياله"، ربما للتحرر من عبء وجوده على الأراضي العراقية، وما يمكنه كشفه من اسرار في حال مغادرته. الحكيم في واشنطن وبغداد تقبل عودة المفتشين في تموز استأنف العراق محادثاته مع الأممالمتحدة في فيينا من دون تحقيق تقدم يذكر، وكان لافتاً اتهام صبري بليكس ب"عرقلة الحوار". لكن الشهر ذاته شهد تحولاً طفيفاً في موقف بغداد من عودة المفتشين، وأعلنت في آب اغسطس استعدادها لعودتهم من دون شروط. سبقت ذلك 11 آب زيارة وفد من المعارضة العراقية لواشنطن بناء على دعوة رسمية. وضم الوفد خصوصاً عبدالعزيز الحكيم شقيق رئيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" محمد باقر الحكيم، في تحول علني في تعاطي المجلس مع الولاياتالمتحدة. وتزامن ذلك مع أول دعوة اميركية الى "ترحيل" العلماء العراقيين الذين عملوا في برامج الأسلحة النووية والكيماوية، الى الخارج. وأقر الكونغرس في 20 تشرين الثاني "قانون هجرة العلماء العراقيين" لمنحهم إذن إقامة دائمة في الولاياتالمتحدة. "الضربات الوقائية" وفي آب وايلول صعدت الولاياتالمتحدة تهديداتها للنظام العراقي، واكدت مجدداً ان هدفها هو تغيير نظام الرئيس صدام حسين، وأعلنت مبدأ "الضربات الوقائية" ضمن "استراتيجية مكافحة الارهاب". ففي ايلول أصدرت الإدارة الاميركية تقريراً بعنوان "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة" جاء فيه: "علينا ان نكون على استعداد لوقف الدول المارقة وشركائها الارهابيين قبل ان يصبحوا قادرين على استخدام اسلحة دمار شامل ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها واصدقائها أو التهديد بها". واستكملت واشنطن هذا التقرير بآخر بعنوان "الاستراتيجية القومية لمكافحة اسلحة الدمار الشامل" نشر في 10 كانون الأول/ ديسمبر يشير الى انها "ستواصل تأكيد حقها في الرد بقوة ساحقة تشمل استخدام كل الخيارات التي في متناولها، على استخدام اسلحة دمار شامل ضدها وضد قواتها في الخارج واصدقائها وحلفائها". وبدا واضحاً ان "صقور" الإدارة الاميركية تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس كسبوا جولة في الملف العراقي، بدعوتهم الى التشدد والتحرك المنفرد إذا لزم الأمر، خصوصاً في مواجهة وزير الخارجية كولن باول الذي التزم الصمت في تلك الفترة، بعدما كان يدعو الى العمل ضمن اطار الأممالمتحدة. وجاء خطاب بوش في الأممالمتحدة ايلول، الذي شدد على "خطورة" النظام العراقي، ليصب في خانة رؤية الصقور في ادارته. انضمت لندن الى "التشدد" الاميركي، وشككت في اعلان بغداد قبولها عودة المفتشين، ودعت مع الولاياتالمتحدة الى قرار جديد يصدره مجلس الأمن لتشديد القيود على الحكومة العراقية، بينما رفضت بغداد التعامل مع أي قرار جديد. وشنت بريطانيا حملة اعلامية مكثفة متهمة العراق بإخفاء معلومات عن أسلحته، ونشرت ملفاً كبيراً عن "أسلحة العراق وبرامجه الكيماوية والبيولوجية والنووية"، مشيرة الى "سجله الحافل" في "الكذب واخفاء المعلومات". وفي الشهر ذاته عقد رئيس الوزراء توني بلير "قمة حرب" مع الرئيس الاميركي في كامب ديفيد. وفي ايلول اشارت تقارير الى وجود كوماندوس اسرائيلي في غرب العراق، يبحث عن منصات لصواريخ "سكود" عراقية قد تستخدم في ضرب اسرائيل. معارضة أوروبية للحرب في غضون ذلك، تمسكت الدول الأوروبية، باستثناء بريطانيا، بمعارضتها أي حرب على العراق، وتزعمت هذه المعارضة المانيا خصوصاً التي شهدت انتخابات عامة كان موضوع عدم المشاركة في الحرب الشعار المشترك للأحزاب فيها. وأزعجت هذه المعارضة واشنطن فاهتزت علاقاتها مع المانيا، التي ما لبثت بعد فترة سجال علني ان خففت معارضتها المشاركة في الحرب وتأكد انها ستسمح للطائرات الاميركية باستخدام أجوائها ومطاراتها. ومع اصرار واشنطن ولندن على اصدار قرار جديد لمجلس الأمن بخصوص التفتيش، نشرت وكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه تقريراً اتهم العراق باخفاء معلومات عن أسلحته وبرامجه. وشدد بوش على ضرورة نزع سلاحه، وأرسلت واشنطن تعزيزات عسكرية الى الكويت لإجراء مناورات، فيما تحدث البنتاغون عن امكان تطعيم جنوده ضد الجدري. وتناقلت وسائل الاعلام الاميركية والبريطانية سيناريوات متعددة عن حرب على العراق، وتفاصيل عن ضربات جوية مكثفة وانزال عسكري... الخ، فيما اعتبر محللون ان الهدف من الاعلان عن هذه الخطط "تضليل" الحكومة العراقية وإرباكها. وأبرزت اسرائيل قلقها من امكان تعرضها لقصف عراقي بصواريخ "سكود" رداً على هجوم اميركي، فوعدتها واشنطن بأن قواتها ستتولى تدمير منصات الصواريخ العراقية. وذكرت تقارير ان واشنطن حذرت طهران من تدخل قواتها أو قوات "فيلق بدر" التابع ل"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" في حال اندلاع الحرب. وعلى رغم حصول بوش على تفويض من الكونغرس أوائل تشرين الأول للتعاطي مع الملف العراقي، من دون اطلاق يده بالكامل، بقي الخلاف داخل الإدارة على تصور "مرحلة ما بعد صدام"، وصدرت تحذيرات تنبه الى الكلفة العالية للحرب والتي تراوحت تقديراتها المادية بين 80 و200 بليون دولار، أما البشرية فبلغت مئات الآلاف. وتصاعدت الاحتجاجات العالمية ضد الحرب، وشهد معظم العواصم الأوروبية والآسيوية مسيرات ضخمة ضد اللجوء الى القوة، ما لبثت ان امتدت الى مدن اميركية وواشنطن ذاتها. استفتاء المئة في المئة ولتأكيد "شعبية" الرئيس العراقي، والرد على الحملات الاميركية التي شككت في شرعية نظامه، اجري في 15 تشرين الأول استفتاء لتجديد انتخابه لولاية ثالثة من سبع سنوات. فحصد صدام "مئة في المئة" من الأصوات، ثم أتبع هذه الخطوة في 20 تشرين الأول باصدار "عفو عام" عن جميع السجناء بمن فيهم السجناء السياسيون، ولكن سرعان ما شككت المعارضة ومنظمات حقوق الانسان بما وصفته ب"مسرحية". عربياً استمر الرفض العلني لأي حرب على العراق، وأعلنت السعودية رفضها استخدام أراضيها منطلقاً للطائرات الاميركية. وأبرمت الولاياتالمتحدة مع قطر، حيث قاعدة العديد الجوية الضخمة، اتفاقاً عسكرياً يسمح باستخدام القواعد القطرية. وفيما واصلت تركيا رفضها أي عمل عسكري حذرت أكراد العراق من اقامة نظام فيديرالي يضم كركوك الغنية بالنفط. وفي آب أصدر وزير الدفاع صباح الدين شاكماك في حكومة بولند اجاويد، تصريحاً قال فيه ان "شمال العراق جزء من أراضينا وهو أمانة في يد تركيا"، ما أدى الى توتر في العلاقات بين انقرة والحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. وفي تشرين الأول برز تحول تركي في الموقف من النظام الفيديرالي، لكن اجاويد جدد تحذير أكراد العراق من أي نزعة استقلالية. وعلى رغم تردد تركيا في تأييد اندفاع واشنطن الى الحرب وافقت في 24 كانون الأول ديسمبر على استخدام واشنطن قواعدها العسكرية في شن أي هجوم على العراق. "حرب" المشاريع في مجلس الأمن ومع اصرار واشنطن ولندن على قرار جديد لمجلس الأمن، استعرت في نهاية تشرين الأول وبداية تشرين الثاني "حرب المشاريع" والتعديلات بين فرنساوروسيا اللتين أصرتا على "عدم اللجوء التلقائي للقوة" ضد بغداد، وبين اميركا وبريطانيا. وفي 8 تشرين الثاني أصدر المجلس بالاجماع القرار 1441 الذي وصفته واشنطن بأنه "قرار الفرصة الأخيرة". وكان لافتاً تصويت سورية لمصلحته وهو نص على اعطاء بغداد ثمانية أيام لاعلان قبوله، و30 يوماً لتقديم كشف شامل عن برامجها التسليحية. وبعدما وصفت مشروع القرار بأنه "وثيقة اخضاع" و"اعلان للحرب" عادت وأعلنت قبوله في 13 الشهر ذاته. وعكس التوجه الأميركي قال السفير البريطاني لدى مجلس الأمن جيريمي غرينستوك ان "لا أساس في القانون الدولي لتغيير النظام في أي دولة". وصول طليعة المفتشين في 18 تشرين الثاني وصلت طليعة المفتشين الى بغداد، وعلى رأسهم بليكس والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي. ثم زاد عددهم فبلغ حوالى مئة. فتشوا أحد قصور صدام وباشروا استجواب علماء عراقيين. وفي 8 كانون الأول ديسمبر سلم العراق للأمم المتحدة ملفاً بأسلحته، سرعان ما "خطفت" واشنطن النسخة الأصلية وسلمت الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بعد يومين نسخة عنها، فيما سلم بعد أيام الأعضاء الآخرون في المجلس نسخة "منقحة"، ورفضت سورية تسلمها. وشككت واشنطن ولندن بمحتوى الملف واتهمتا بغداد ب"اغفال معلومات". وفيما اختلفت التفسيرات للقرار 1441 ساد اعتقاد واسع بأنه أجّل الحرب ولم يلغها. ففيما تؤكد باريس وموسكو ان القرار لا يجيز "اللجوء التلقائي للقوة"، تصر واشنطن على انها ليست في حاجة الى موافقة الأممالمتحدة لاعلان انتهاك العراق القرار اذا رأت ذلك. وأكدت الولاياتالمتحدة انها حصلت في قمة براغ لحلف الأطلسي على دعم الحلف لأي عمل عسكري ضد العراق، وطلبت من 50 دولة تحديد مساهمتها في الحرب المحتملة، وتجاوبت بريطانيا سريعاً وأمرت قواتها بالاستعداد. ورحبت اسرائيل بالقرار ب"حرارة" وبدأت تستعد للحرب التي تأمل ب"انتصار اميركي كاسح" فيها "لكبح سورية وايران". وقبيل نهاية 2002 تسارعت وتيرة التعزيزات الاميركية الى المنطقة، واجريت مناورات في الكويت وقطر، واستمرت الطائرات الاميركية والبريطانية في قصف مواقع الدفاعات العراقية بهدف استنزافها. وصعدت واشنطن الحرب النفسية و"حرب المناشير" التي تسقطها على مواقع الجنود العراقيين محذرة من التعرض لطائراتها أو اصلاح المواقع المدمرة، أو استخدام أسلحة دمار شامل تحت طائلة المحاكمة بتهم جرائم حرب. وتجري بريطانيا استعدادات لأكبر عملية انزال بحري في الخليج منذ 20 سنة، فيما أفادت تقارير عن استعداد الوكالات الانسانية للأمم المتحدة لايواء نحو 900 ألف لاجئ عراقي في حال اندلعت الحرب. وكان لافتاً اغفال القمة الخليجية في الدوحة اتخاذ موقف من الحرب المحتملة، لكنها رفضت "اعتذار" صدام 7/12 للكويت منتقدة التهديدات التي حملها خطابه لقيادة الكويت، بعد اشادته بمنفذي العمليات التي استهدفت جنوداً اميركيين في هذا البلد. وانتهى العام على أصوات طبول الحرب تقرع حول العراق، بعدما شهدت الشهور الأخيرة استعدادات عسكرية مكثفة، من حشد للقوات لم ينقطع ومناورات مستمرة، وتهديدات وتحذيرات. في المقابل أصر العراق على التذكير بأنه لا يدافع فقط عن نفسه، وبأن الهجمة الاميركية لن تتوقف عند حدوده، مؤكداً ان الهدف الاميركي من الحرب اضافة الى "السيطرة على النفط" هو "إعادة رسم خريطة المنطقة". وشدد على أنه سيقاوم الغزو الاميركي من بيت الى بيت، محذراً القوات الأميركية من "حمام دم". ومع تصاعد التوتر يخشى أن يشكل أي حادث صغير، كإسقاط العراق طائرة تجسس اميركية من دون طيار 23/12 أو اتهامه مثلاً بعرقلة التفتيش، الشرارة لاندلاع حرب يؤكد الجميع ان نتائجها ستكون كوارث من دون القدرة على منعها. فهل تشهد بداية العام الجديد الحرب الثالثة في المنطقة، خلال أقل من ثلاثة عقود؟