لم يكن سهلاً الوصول إلى بلدة شاهي كوت في جنوب شرقي أفغانستان من مدينة كابول عبر طرق جبلية سلكناها وكانت الثلوج تغطي بعضها، تلك الطريق التي تربط مدينة غارديز، عاصمة مقاطعة باكتيا، ببلدتي شاهي كوت وزلمات اللتين شهد محيطهما أعنف المعارك بين حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" من جهة، والقوات الأميركية والأفغانية الحكومية من جهة أخرى. عند مدخل بلدة شاهي كوت يقف مقاتلون أفغان تابعون للقائد متين حسن غل الذي عيّن قبل أيام قائداً لمنطقة غارديز ومحيطها، بعضهم لا يزال التوتر بادياً على وجوههم حين طلبوا منا عدم تخطي حدود البلدة بسبب تعليمات من القوات الأميركية بمنع الصحافيين من الاقتراب من المنطقة التي لا تزال كهوفها تخضع للتفتيش بحثاً عما خلفه مقاتلو حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" وراءهم عند انسحابهم. هدير طائرات الهليكوبتر الأميركية المختلفة لا يتوقف، وكذلك حركة السيارات والشاحنات التي تقل جنوداً مجهزين أحدث أنواع الأسلحة. أحد سكان زلمات كان عائداً من شاهي كوت، قال إن الأيام القليلة الماضية كانت الأهدأ منذ انسحاب مقاتلي حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" من المنطقة بعد مواجهات بدأت في الثاني من آذار مارس الجاري. يتفق السكان في المنطقة على أن الأيام الأولى للقتال كانت ضارية، سقط فيها "العشرات" من الجنود الأميركيين قتلى، إضافة إلى أعداد مماثلة من القوات الأفغانية سواء تلك التابعة لعدد من القادة العسكريين المحليين أم القوات الحكومية التي ارسلت من كابول لتعزيز الجبهة. القائد متين الذي انتهى للتو من اجتماع مع عدد من أركان قيادته في زلمات لم يتردد في القول إن المعارك كانت ضارية في أيامها الأولى، لكن قدرة مقاتلي حركة "طالبان" و"القاعدة" على الصمود بدأت تخف بعد الأسبوع الأول من القتال. وأشار القائد المحلي الأفغاني الذي يتمركز في ضواحي مدينة غارديز إلى أن القوات المحلية هي التي بادرت إلى الهجوم وأن دور القوات الأميركية الأساسي كان الاسناد من الجو أو القيام باستهداف المواقع والمغاور التي كانت تتمركز عناصر "طالبان" و"القاعدة" داخلها. أنباء اعتقال نحو عشرين شخصاً من "طالبان" و"القاعدة" أكدها أكثر من قائد محلي، وذهب بعضهم إلى القول إن بين هؤلاء عناصر عربية وأخرى شيشانية، وهو أمر أكده ل"الحياة" في وقت لاحق وزير الداخلية محمد يونس قانوني الذي قال ان الاعلان عن هويات هؤلاء سيتم بعد اجراء تحقيقات مكثفة معهم، خصوصاً ان معظمهم ينكر هويته الاصلية خوفاً من تسليمه الى بلده. احد المواطنين فضّل عدم ذكر اسمه ليقول: "لا صحة لما تردد بأننا ندعم "طالبان" و"القاعدة" في المنطقة، لكن، في الوقت نفسه، لا نرغب في رؤية قوات أجنبية على أرضنا". ولا يكتم مقاتلو القوات المحلية المناهضون ل"طالبان" عدم ارتياحهم إلى وجود قوات اميركية بينهم، لكنهم في الوقت نفسه، يضعون اللوم على اسامة بن لادن والملا محمد عمر في اتاحة الفرصة لهذه القوات بالقدوم الى افغانستان. في الوديان والكهوف المحيطة بشاهي كوت تبدو واضحة آثار بعض الجثث التي تحلّلت، وقال السكان ان بعضها يعود الى عناصر أفغانية وأخرى عربية وشيشانية وهي لا تتجاوز الخمس عشرة جثة. احد المزارعين في المنطقة قال إن انسحاب مقاتلي حركة "طالبان" و"القاعدة" من المنطقة لم يكن صعباً عبر الوديان المختلفة باتجاه خوست والجبال الاخرى القريبة، خصوصاً أن بعض هؤلاء استعان بالجمال والخيول لنقل ما يمكن نقله من عتاد واغراض كانت بحوزتهم. وآشار آخر إلى أن مجموع هؤلاء المقاتلين كان في حدود الستمئة، ومعهم أطفال ونساء يصل عددهم الى المئة تقريباً وبينهم بعض العرب والباكستانيين. هل هي آخر المعارك؟ يردّ الجنرال متين حسن غل قائلاً ل"الحياة" ستكون هناك معارك أخرى وجيوب مختلفة "لكن أعتقد انه لن يكون بوسع طالبان والقاعدة خوض معركة كالتي خاضوها معنا". وعزا ذلك الى عدم قدرتهم على الدفاع عن موقع معين لوقت طويل في مواجهة قوات تعرف طبيعة المنطقة وفي وجه نيران مكثّفة وتكنولوجيا رفيعة المستوى.