تحت عنوان "أنسام العود: أفق جديد" وعلى مسرح المدينة في بيروت، قدمت أخيراً "عائلة العود" أمسية في الموسيقى شمل برنامجها معزوفات لمؤلفين لبنانيين منهم زياد الرحباني وفيلمون وهبي، ولمحمد عبدالوهاب وسيد درويش. قبل "عائلة العود" لم نكن لنجد في الأمسيات الموسيقية الشرقية سوى عود واحد، يلعب منفرداً تارة أو مصاحباً غريداً لآلة أو صوت بشري طوراً آخر. وهذا دأب آلة العود على مر أزمانها ومراحل تطورها التي شهدت قفزات متواضعة. مع "عائلة العود" شاهدنا وسمعنا أخوين شقيقين للعود هما العود الحاد سوبرانو والعود الجهير، فاكتمل بذلك عقد عائلة العود بعد طول انتظار، ما يفتح آفاقاً جديدة للتأليف الموسيقي الآلي لآلة العود وأشقائها نأمل بأن نصل اليه مع هذا التطوير المهم. ولكي نستشف أهمية هذا الحدث في مسيرة العود الذي يعتبر بلا منازع، ملك الآلات الوترية في الموسيقى العربية وعماد التخت العربي لنعد الى الوراء، وبنظرة سريعة نسترجع تاريخ العود وتطوره. آلة العود من الآلات الوترية التي عرفتها الممالك القديمة. واستعملها قدماء المصريين. وعثر على آلة من هذا النوع في مدافن طيبة وهي محفوظة في المتحف المصري ببرلين. وانتقل العود من الممالك القديمة الى العرب في العصور الوسطى، فاحتضنوه داخل حضارتهم الزاهرة وتفننوا في صناعته. وظل العود عند العرب بأربعة أوتار حتى زاد عليه أبو الحسن علي بن نافع المعروف باسم زرياب الوتر الخامس في أوائل القرن التاسع الميلادي في بلاد الأندلس. ومن بلاد الأندلس وصقلية انتقل العود الى أوروبا وذاع استعماله وأقبل عليه الهواة والمحترفون. ولم يقض على وجوده في أوروبا سوى آلة البيانو لسهولة استعمالها وقدرتها على أداء مساحة واسعة من الأصوات من الحاد الى الجهير، وهذا ما كانت تفتقده آلة العود أي المساحة الصوتية الواسعة. الطريق الى عائلة العود في أواسط القرن الماضي أصبح العود كما نعرفه اليوم بإضافة الوتر السادس اليه، وكان جميل بشير أول من استخدمه وكتب معزوفات خاصة به. وتوالت المحاولات الجدية والصادقة لتطوير طرق العزف عليه في بلدان عربية مثل العراق ومصر ولبنان، وعلى مدى سنوات طوال منها العزف بيد واحدة التي ابتكرها العراقي نصير شمة، ومن قبلها العزف بالأصابع الخمس بطريقة "الفلامنكو"، ولا ننسى اسهام مرسيل خليفة الرائع بالعزف على آلة العود في أماكن لم تكن يعزف عليها من قبل ما وسع من المدى الصوتي للآلة. وفي أواخر العام 2000، قام صانع الأعواد اللبناني ربيع حداد بالاشتراك مع غسان زرزور، بتطوير آلة تشبه "البزق" ذات مدى صوتي حاد، كذلك طوّرت آلة العود الجهير لتصبح بمقاس أصغر. وما ان اكتملت عائلة العود حتى دعا زرزور زميليه في المعهد الموسيقي الوطني في بيروت سعد صعب ونقولا نخلة، لتجربة هذه الآلات المستحدثة، وتأكد اتساع المسافة الصوتية في اجتماع هذه الآلات معاً من دون أي تغيير في صوت آلة العود. من هنا أتت الولادة الجديدة لعائلة العود التي تبقى فتية بانتظار الكتابة الموسيقية الجادة، وذلك ضمن دراسة موضوعية لطبيعة صوت كل آلة على حدة، وذلك لإبراز جمالها من خلال اعطائها المجال الكافي للبروز ولو من خلال العزف مع بقية المجموعة، مع الاشارة الى ان مجموعة كبيرة من الموسيقيين الكبار كتبت بالفعل لهذه المجموعة، ولكننا نبقى في انتظار عمل أعمق وأشمل يكون بمثابة الانطلاقة الحدث وعلى مستوى الولادة الجديدة لعائلة العود.