خلال مرتين في الأسبوع، تبحر مجموعة صغيرة من الأولاد والبنات في عالم الألحان الموسيقية الشرقية الرائعة، من خلال دراستهم الموسيقى في “بيت العود العربي” بالقاهرة القديمة. في هذا البيت.. ومن بين الجدران القديمة -التي يرجع عهدها إلى فترة الحكم العثماني لمصر- أنشأ الفنان العراقي أستاذ العود المشهور نصير شمة مدرسة للأولاد والبنات، من كل الأعمار، ربما يكونون الأمل في استمرار الموسيقى الشرقية. ورغم أن بعض الآلات الموسيقية لا يتناسب حجم الآلات مع أجسام هؤلاء الأولاد والبنات الصغيرة، لكن حماسهم لا حدود له، ويتجلّى ذلك خلال التدريبات التي يعلّمهم فيها (شمة) وأستاذة العود الليبية إلهام علي، العزف على الآلات الموسيقية الشرقية المختلفة. وقد عرف الموسيقار نصير شمة من خلال تجربته الطويلة مع الأنغام والموسيقى، وفي مجال التدريس أيضًا، الفوائد من بدء تدريب العازفين في سن مبكرة. وعن ذلك يقول شمّة: من تجربتنا في التدريس هذه السنين.. خرجنا بتجربة مهمة وهي أن كل ما علمناهم في سن متقدم فإنهم سرعان ما ينغمسون في الحياة العامة، ويدخلون سريعًا في الميدان.. لكن مع الطفل تستطيع أن تبني لعشر أو لخمس عشرة سنة مقبلة مستقبلاً موسيقيًّا بشكل حقيقي.. مستقبل آلات بالشرق.. والآن نحن بدأنا نشتغل في دراسات على تصغير الآلات بنسب علمية تتناسب مع الصوت وحجم الطفل.. وهذه المسألة ليست مدروسة بشكل كافٍ حتى الآن. ولد الموسيقار نصير شمة في مدينة الكوت العراقية، ودرس الموسيقى في بغداد قبل أن يسافر إلى القاهرة عام 1989، حيث بدأ العمل في تدريس الموسيقى والعزف ضمن فرقة مكوّنة من 30 عازفًا.. وبعد ذلك انطلق إلى عالم الشهرة واستغل معرفته الوثيقة بمقامات الموسيقى الشرقية لتوجيه تلاميذه على درب الألحان. ويتعلم الأولاد والبنات في “بيت العود” العزف على كل أنواع الآلات الموسيقية الشرقية. فطفل عراقي اسمه “عويس عمر” يبلغ من العمر 11 عامًا يدرس العزف على آلة البزق، وهي آلة يقول عنها عويس: أحببتها.. وعندما رأيتها قررت أن أجربها.. وأول شيء.. وأول مرة قلت إنها ليست جيدة.. وبعد ذلك لمّا تدربت عليها عزفت منها أشياء كثيرة. ويتخذ “بيت العود العربي” بالقاهرة مقره بالمنزل المعروف باسم بيت الهراوي، الذي يرجع إلى القرن السابع عشر في حي الحسين بالقاهرة، والذي تهيئ أسقفه الخشبية المرتفعة إمكانيات نموذجية للصوتيات. وذكر واحد من تلاميذ نصير شمة اسمه عبدالله، ويتدرب على العزف على آلة القانون أن الموسيقى مرآة لإحساس العازف، وقال عن آلة القانون “لا.. ليست آلة حزينة.. بالعكس.. حسب إحساسك.. مثلاً لو إحساسك حزين ستعزف (لحنًا) حزينًا.. لو إحساسك فرح ستعزف (فرحًا). وذكر نصير شمة أن “بيت العود” يضع مختلف الآلات الشرقية في متناول الأولاد والبنات الموهوبين. وقال: آلة القانون عمره ما تعلمها أطفال بسن ثماني سنين وسبع سنين.. نحن بدأنا نعلّم (الساز).. أدخلناه لأول مرة بمصر.. الآلة ذات الرقبة الطويلة التي هي العود ذو الرقبة الطويلة.. اسمها (ساز)، أو (بزق).. حسب كل دولة.. وهذه الآلة فيها وتر طرف زائد أو ناقص، يجعلها تُسمّى اسمًا آخر.. كل هذا قررت.. مع الناي.. قررت أن يكون موجودًًا في متناول الأطفال، لإيماني أولاً بأنه سرعة تعلم الأطفال.. وثانيًا استمرارية هذه الآلات مع جيل جديد يبدأ بهذا السن، يعني أننا أمامنا عمر كامل.. وهناك الكثير من الحوافز لهذا الطفل.. يعني بمجرد أن يتميز يجد حوافز كثيرة حتى يتورط (يدخل) أكثر في عالم الموسيقى. وتحظى هذه المجموعة الصغيرة من أبناء وبنات الجيل الجديد في هذه المدرسة الفريدة (بيت العود العربي) بفرصة ذهبية ليتتلمذوا على كبار الأساتذة، والأمل معقود عليهم ليحملوا لواء إحياء الموسيقى الشرقية، والحفاظ عليها جيلاً بعد جيل.