قرار مجلس الأمن عن الدولة الفلسطينية مهم بلا شك، لكن كونه اقتراحاً اميركياً بصياغة اميركية يحتاج الى مصداقية. لماذا؟ لأن الولاياتالمتحدة سمحت بالمجازر ولجأت الى هذا القرار الدولي لطمسها كجرائم حرب، بل تركت المجازر تستمر وفقاً للوتيرة الشارونية، واتاحت لعصابات الجيش الاسرائيلي ان تعربد كما تشاء لإهانة الشعب الفلسطيني وقيادته. ثم... لم تستحق هذه المجازر، التي لم تلق إدانة من واشنطن، سوى ايفاد الجنرال المتقاعد. هذا في حد ذاته إهانة مضاعفة للفلسطينيين. ولم يُسمح لانتوني زيني بالمجيء إلا بعدما أكمل شارون تنفيذ خططه لهذه المرحلة. وكأن ما حصل، في الاسبوع الأخير على الأقل، مجرد حوادث عابرة لا معنى لها، في حين انها كانت حرباً حقيقية شنها الاسرائيليون ليثبتوا أنهم مستعدون للاحتلال وتكرار الاحتلال. والمطلوب ان يظهروا انهم مستعدون لاحترام الشعب الفلسطيني واستقلاله وتوقه الى الحرية ومستعدون خصوصاً لاعادة الأرض التي سرقوها. زيني متفائل هذه المرة بنجاح مهمته، لا لأنه عائد بأفكار ابداعية أو بمبادرات نفاذة، وانما لأن محاولات شارون للانتصار بلغت ذروتها، فمعاودة الاحتلال لكل المناطق - كما كان يحلم بها - مثلت انجازاً عسكرياً للاسرائيليين، لكنها أكدت ايضاً فشل حكومة شارون. مهمة زيني ان يغطي هذا الفشل وان يساعد شارون على الانتقال الى نهج آخر. لذا ستطرح العودة الى التفاوض، بل اعطيت منذ أمس اشارات واضحة الى هذا الخيار. والأكيد ان استقالة الوزيرين المتطرفين من الحكومة تمت لأنهما يرفضان التخلي عن الخيار الأمني والعودة الى التفاوض. وبالتالي فمهمة زيني هي ايضاً إجهاض الانتفاضة الفلسطينية التي بلغت أخيراً الحالة التي انطلقت من أجلها: انتفاضة حتى الاستقلال والدولة. الآن، عودة الى المساومات والمماحكات، عودة الى التفاوض مع حكومة معروف رئيسها بعدائه لأي سلام، معروف برنامجها بأنه مجرد خطط تدمير واغتيال ومجازر وضعها شاؤول موفاز مع سائر مجرمي الحرب في قيادته. لا يمكن اعتبار قرار مجلس الأمن بأنه يمثل "الثمن السياسي" الذي تطلع اليه الفلسطينيون، فكيف يكون الكلام على "دولة فلسطينية" مخلصاً وصادقاً اذا كان شعب هذه الدولة وقيادتها واقتصادها ومؤسساتها ستبقى تحت رحمة طائرات ال"اف - 16" و"الأباتشي"، وكيف يكون كلاماً جدياً من دون اي اقتراحات لحماية هذا الشعب الذي يريده شارون مجرداً من السلاح وانهك قواه الأمنية ونهب سجلات مؤسساته الأمنية والمدنية. والأهم ان الولاياتالمتحدة لا تضمن اطلاقاً ان لا يتكرر ما حصل، ان لا يتكرر هذا العدوان وهذه الوحشية، وان لا تجهد لتغطيتها وحمايتها وتبريرها. كان ولا يزال طبيعياً ان يهب شعب لإنهاء الاحتلال، ولم يكن طبيعياً ان يسمح لقوة الاحتلال بأن تتمادى على هذا النحو بذريعة ان أمنها كان مهدداً. لا يمكن الوثوق بأي وسيط اميركي لا يزال مستعداً في المطلق لتصدىق كل الأكاذيب الاسرائيلية، والأخطر لبناء سياسته وعلاقاته مع العرب على أساس هذه الاكاذيب. ولا افتراء في هذا، فبالأمس تقدم نواب اميركيون صهاينة أو متصهينون بطلب لوضع فصائل مقاومة فلسطينية على لوائح الارهاب. لم يفهم هؤلاء ان ما شهدته فلسطين أخيراً نسف كل مساعي شارون وبوش لزج القضية الفلسطينية في الحرب على الارهاب، ولم يفهم هؤلاء ان مطالبة الفلسطينيين بأرضهم واستقلالهم لا علاقة لها بأحداث 11 ايلول سبتمبر. وعلى مثل هؤلاء يراهن شارون، لأنهم يصفقون للمجازر ويبتهجون بمشاهد الدمار والإذلال. ليس مؤكداً ان انتوني زيني يختلف عن هؤلاء، لأن رئيسه لم يبد أي تمايز عنهم. فالمطلب الاميركي - الاسرائيلي لا يزال واحداً: وقف الانتفاضة وكسرها. وانطلاقاً من نتائج الحملة الهمجية الأخيرة على مدن الضفة وقراها سيأتي شارون الى المفاوضات. سيحلم حتى اللحظة الأخيرة باستسلام فلسطيني ليفرض بعدئذ شروط "السلام". وبذلك تتخفف واشنطن من عبء طرح مبادرة اميركية والتزامها.