هناك معلومات قليلة سمعت في واشنطن عن الانطباعات التي تولدت لدى الجنرال انتوني زيني من المرحلة الأولى لمهمته بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ومن هذا القليل انه يقدّر "تجاوب" الاسرائيليين معه ويعتبر انهم "أكثر جدية" من الفلسطينيين في تطبيق الالتزامات. هذا يعطي فكرة عن الطريقة التي يفكر فيها الجنرال المتقاعد، وعن نظرته الى المأزق الماثل أمامه. طبعاً، لا يزال من المبكر الحكم عليه، اذ لم يتضح خيره من شره بعد، لكن ذلك لن يتأخر. في أي حال، لا يستطيع الرجل ان يفعل ويتحرك إلا في الحدود التي تتيحها له ادارته. وهذه لا تبدو واضحة في ما تريده. فإذا كانت تسعى الى معالجة المشكلة فلا بد من التعاطي مع معطياتها الخاصة: حالة احتلال تواجه مقاومة، عملية سلام متوقفة، مفاوضات معطلة يرفض أحد طرفيها استئنافها، عنف متبادل يتحمل مسؤوليته الطرفان في أبسط التحليلات ويتحمل الطرف الأقوى فيه مسؤولية أكبر، والأهم انه بات معروفاً ان لاسرائيل ممثلة بحكومة ارييل شارون مصلحة في استمرار العنف أكثر مما ترى مصلحتها في عودة الهدوء... أما إذا كان يراد ربطها ب"الحرب على الارهاب" فهذا برنامج آخر يصبح معه الحديث عن "خطة تينيت" أو توصيات "لجنة ميتشل" مجرد ثرثرة للتعمية. واقع الأمر ان الاشارات الأميركية الأخيرة أعطت مهمة زيني طابعاً مختلفاً. اذ انها ترجّح أولوية تفكيك بنية "المنظمات الارهابية". ما يعني ان المطالب الأميركية - الاسرائيلية من السلطة الفلسطينية انتقلت الى مرحلتها الثانية، بعد وقف النار والاعتقالات كمرحلة أولى. ولا يبدو أن الطرف الأميركي - الاسرائيلي مقتنع أو قريب من الاقتناع بأن المرحلة الأولى انتهت. وإذا شُرع في المرحلة الثانية فلن يُعرف متى تنتهي أيضاً. وكلما تراكمت الشروط تبقى المراحل غير منجزة، ومعلوم ان واشنطن حاسمة أمرها: شارون هو الذي يقرر متى "يرضى" عن أداء السلطة الفلسطينية لتصبح مؤهلة لأن يتفاوض معها "بشروطه" أما هي فمطلوب منها ان تفاوض بلا شروط. إذاً، يعود زيني هذه المرة بمهمة اميركية بحتة، مستوحاة من "الحرب على الارهاب"، وليس من "خطة تينيت" أو من توصيات ميتشل أو من طبيعة مهمته الأصلية. أي انه يضع الحرب الأميركية في خدمة التكتيك الاسرائيلي. وطالما انه قد يحتاج الى ما يدعم "مهمة ال4 أيام" التي جاء لأجلها، فقد اثيرت أمس قضية سفينة السلاح الموجهة الى المناطق الفلسطينية والتي ضبطها الاسرائيليون. انها مناسبة لتوسيع اطار العمل ل"تفكيك المنظمات الارهابية"، باتهام أطراف خارجية، من ايران الى سواها ممن يمكن ايجادهم في اللوائح الجاهزة الأميركية والاسرائيلية. وبذلك تكون الادارة الأميركية ارسلت الجنرال المتقاعد ليعمل وفق البرمجة التي توفرها له التقارير والألاعيب الاسرائيلية. فهو ليس هنا ليرى ويسمع ويدرك ويحلل حتى يفهم ويقترح ويبادر. انه مجرد آلة في خدمة "الرؤية" الأميركية - الاسرائيلية، وهذه لا تنفك تعطي التأكيد تلو الآخر بأنها ليست في صدد إحياء عملية السلام وانما هي تسعى الى ترجيح نتائج التخريب الذي أحدثه شارون وتوصل به الى تعطيل أي ديناميكية سلام في المنطقة. انتوني زيني ليس وسيطاً وانما هو رجل تنفيذي. ولأنه عسكري فهو لا يناقش الخلفيات ولا يتعامل بالاعتبارات السياسية. هذا يعزز وضعيته كمبعوث أميركي لا يتعامل مع الفلسطينيين إلا بالمطالب، ولا يتعامل مع الاسرائيليين إلا بالمجاملة. ولن يلومه رؤساؤه لأن قواعد السلوك تقول لكل موظف أميركي، بل حتى لكل مسؤول منتخب: احصل على رضا اليهود وافعل بعد ذلك ما يحلو لك. والا فإنك ستحرق مستقبلك. وانتوني زيني ليس مناضلاً من أجل الحرية وانما هو موظف مثل الآخرين.