الناقد المصري عبدالقادر القط اسم معروف بين القراء العرب بأبحاثه النقدية، وبدفاعه عن الشعر الحر منذ وقت مبكر، كما بترجماته لنصوصٍ من المسرح العالمي. بعد أيام في حياة نجيب محفوظ واحسان عباس ومحمد الماغوط وعبدالله الغذامي وسهيل ادريس ومحمود درويش، نلقي هنا الضوء على حياة هذا الناقد ضمن سلسلة "يوم في حياة كاتب": عبدالقادر القط حال نقدية تعددت أشكال عطائها ومشاركاتها عبر ما يزيد على نصف القرن بين أجناس الإبداع من رواية وشعر ومسرح عبر متابعة نقدية متعددة الاتجاهات. وللدكتور القط ديوان شعري واحد هو "ذكريات شباب" وعلى رغم رومانسية الديوان ونزوعه الى مدرسة التأمل، إلا أن صاحبه كان من أول وأشد المدافعين عن الشعر الحر وعند عودته من البعثة الدراسية في انكلترا، بدأت أولى معاركه النقدية، بكتاب نقدي عن الشعر المصري المعاصر، ولم تنته هذه المعارك بتتابع صدور كتبه الأخرى والتي نذكر منها "الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر" و"الكلمة والصورة" و"فن المسرحية" و"الحركة الرومانسية في الشعر العربي المعاصر" و"الشعر الاسلامي والأموي" و"مفهوم الشعر عند العرب" و"حركات التجديد في الشعر العباسي". ولم تقتصر المعارك النقدية على كتبه وانما امتد نطاقها الى الصفحات الأدبية المتخصصة، هذا غير ترجماته المهمة للكثير من نصوص المسرح العالمي، ومن بينها "هاملت" و"ريتشارد الثالث"، غير أبحاثه المطولة التي صدرت في كتب عن طه حسين ونزار قباني وثروت عكاشة ومصطفى صادق الرافعي وتشيكوف. ويوم عبدالقادر القط يتسم بالاحتشاد في الواجبات والالتزامات، والمهمات، ولم تتغير طبيعة هذا الاحتشاد اليومي بين الماضي والحاضر سوى في اختلاف بعض الواجبات، لتظل هناك ثوابت وخطوط أساسية ومهمات رئيسية بين اليوم في الماضي والحاضر. لكل يوم من أيام الأسبوع لديك ملمحٌ مختلف تحدده طبيعة إلزامية لمجموعة من الواجبات، فما طبيعة هذه الواجبات، وما هي المواقع التي تحدد هذه الواجبات؟ - أنا عضو في مجمع اللغة العربية - كما تعرف - وألتزم بحضور جلسة الاثنين من كل اسبوع، كما أنني مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة. الأمر الذي يلزمني بحضور جلسات هذه اللجنة التي تعقد يوم الاثنين من كل اسبوعين. هذا فضلاً عن ضرورة تلبية الاحتفاليات والأمسيات التي أدعى اليها بحكم موقعي هذا، غير التزامي بالمقال الاسبوعي في جريدة "الاهرام" فضلاً عن التدريس في الجامعة. لقد لاحظت احتفاظ المقهى بموقع ما في جدولك الاسبوعي بين الماضي والحاضر؟ - نعم، فقديماً كنا نحرص على الالتقاء أنا وزملائي واصدقائي اسبوعياً في مقهى عبدالله في ميدان الجيزة وبعد ان أغلق هذا المقهى، تحولنا الى مقهى "انديانا" في الدقي وكانت هذه الجلسات تضم ابرز النقاد والمبدعين من جيلنا واجيال اخرى وكنا نطرح فيها الجديد من القضايا الأدبية والنقدية، وحالياً ألتقي بعض الاصدقاء والزملاء والتلاميذ في كافتيريا "أمفتريون" صباح كل جمعة، وهذا المكان ليس مقهى بالمعنى المعروف، وفيه نتجاذب الحديث حول مواضيع الساعة في الأدب والنقد والثقافة عموماً. وماذا عن مقال "الاهرام" بين هذه الالتزامات. فنحن نعرف أن الكتابة لديك حال مزاجية غالباً وأنت ملتزم بموعد محدد فكيف تنجزه، وما هي الطبيعة النقدية لهذا المقال في جريدة يومية؟ - بالفعل، فإنني لا أكتب إلا حينما تسمح حالي النفسية بذلك، وأنا لا أقدم على الكتابة إلا حينما اشعر باكتمال وحضور الفكرة، ووفق هذا فإنك تجدني احياناً افرغ من الموضوع وأسلمه قبل الموعد المحدد بقليل، وقد آليت على نفسي ألا اجعل هذا المقال مقالاً نقدياً تطبيقيا بل حرصت على أن أحقق التوازن في طبيعته بين ما هو ثقافي متخصص وبين ما يتواءم مع طبيعة اهتمام قارئ صحيفة يومية. وهل هذا الالتزام يجعل منك شخصاً نظامياً اعتيادياً؟ أسأل بين هذه الالتزامات اين موقع تأليف الكتب على خريطة جدولك الأسبوعي؟ - لقد بدأت حياتي شاعراً وقد ينفي هذا عني طابع النظامية الذي تعنيه، غير انه لا ينفيه تماماً. فجانب كبير من حياتي وجدولي اليومي يخضع لنظام محدد يتوافق مع هذه الالتزامات، خصوصاً إزاء مشاريع الكتب، اذ حيث يتطلب ذلك دأباً وجهداً بحثياً مسبقاً قبل بدء الكتابة وهذه مهمات ذات طابع علمي، ومن ثم فإنها لا بد أن تخضع لنظام ويكون لها موقع محدد بين أيام الاسبوع. التزام اسبوعي آخر كان له موقعه المحدد قديماً في جدولك وهو حضور اجتماع جمعية أدبية ما تنتمي اليها، وقد اختفى هذا الالتزام كلياً، ولم يعد له مكان؟ - لقد كان هناك ما يقرب من سبع جمعيات أدبية لكل منها لقاء أسبوعي، وكنت أتابعها جميعاً - إن لم يكن معظمها - وكانت هذه اللقاءات الاسبوعية أشبه بالحلقات الدراسية والنقدية، والإبداعية التي تحفل بالمناقشة حول القضايا الأدبية المهمة، ولقد كنت العضو الأكبر سناً في الجمعية الأدبية المصرية، والتي كان من اعضائها صلاح عبد الصبور والدكتور عز الدين اسماعيل وفاروق خورشيد ومجموعة كبيرة اخرى، وكنا نجتمع كل ثلثاء، كما كانت هناك جمعية ناجي الذي كان يشرف عليها الدكتور شوقي السكري وكذلك جمعية الأدب العربي، والجمعية الأدبية التي كان يشرف عليها يوسف السباعي، ولعل عدم وجود هذا التعدد الاعلامي وتعدد القنوات بما فيها القنوات المتخصصة وكثرة الاصدارات الدورية، كان وراء قلة عدد هذه الجمعيات حالياً، غير أنني أذكر أن مثل هذه الجمعيات قديماً مع الصفحات الأدبية الثقيلة والبرامج الاذاعية الثقافية المتخصصة كانت تلعب دوراً مهماً في حياتنا الثقافية. والصفحات الأدبية لم تكن قديماً مجرد استكمال شكل وإطار عام للجريدة، من قبيل تحقيق التزام بفكرة التنوع في التبويب وانما كانت صفحة محورية يحرص الكثيرون على متابعتها، وكانت مناخاً صحياً وساحة مهمة لاحتدام المعارك الأدبية والنقدية موضوع الساعة، وكثيراً ما دارت معارك نقدية مهمة بيني وبين الكثيرين الذين أذكر منهم دكتور رشاد رشدي والاستاذ انور المعداوي، ولأهمية هذه المعارك ولشدة تخصصها فقد كونت كتابين من مجموعة مقالات في هذه المعارك وهما "قضايا ومواقف" و"فن الأدب العربي المعاصر". وكانت الكتابة الدورية في هذه الصفحات لها نصيبها في جدول اهتماماتي والتزاماتي الاسبوعية.