من المفارقات ان الموجة التي حملت ميلوشيفيتش الى السلطة، في منتصف الثمانينات، انما قامت على نقد يوغوسلافيا التيتوية. ومن ذلك ان تيتو جعل يوغوسلافيا، بسياسة عدم الانحياز، جزءاً من العالم الثالث على حين كانت الموجة الجديدة تطالب ب"الأوربة"، أي عودة يوغوسلافيا الى أوروبا، بينما يبدو ان ميلوشيفيتش أعاد، بعد وصوله الى السلطة، يوغوسلافيا الى العالم الثالث من باب آخر. فبعد وصول ميلوشيفيتش الى السلطة 1987 بدأ صعود زوجته ميريانا ماركوفيتش اليها بطريقة مختلفة. وتجد الاشارة الى ان ميريانا هي ابنة احد الحرس القديم في يوغوسلافيا التيتوية، موما ماركوفيتش. وابتعدت عنه بطريقة فظة بعد انتقاده تعسف زوجها في السلطة. وهكذا اصبحت ميريانا في صربيا/ يوغوسلافيا تشكل سلطة موازية يلجأ إليها اصحاب الحاجات، وأصحاب المواهب في امتداح فكرها، ما شجعها على تشكيل حزب مواز لحزب زوجها الحزب الاشتراكي الصربي وهو "حزب اليسار اليوغوسلافي". ونظراً الى السلطة التي اصبحت تتمتع بها السيدة ماركوفيتش، والتي كانت تتيح لها تجيير "منافع" مادية ومعنوية الى كل المعجبين والمؤمنين بطاقاتها الفكرية والسياسية، وجد من يروّج لما تكتبه في يوغوسلافيا، ومن يترجم ويسوق ذلك خارج يوغوسلافيا. ويكفي ان نلقي نظرة على الترجمة العربية لأحد كتبها "ليل ونهار"، الذي صدر في بيروت في مطلع 2000، أي حين كانت صاحبته لا تزال في قمة السلطة، لعرفنا مصدر تمويل مثل هذا الكتاب بالورق الصقيل والغلاف الأنيق. ولكن حال سقوط ميلوشيفيتش، وخصوصاً مع اعتقاله وتسليمه الى محكمة جرائم الحرب، بدا وكأن حزب السيدة ماركوفيتش حزب اليسار اليوغوسلافي انكمش بسرعة. وهناك من ينتظر محاكمة السيدة ماركوفيتش للكشف عن ظروف تأسيس هذا الحزب وتمويله. ومع ذلك كان من اللافت للنظر ان محاكمة ميلوشيفيتش الجارية الآن في لاهاي أعادت هذا الحزب الى السطح من جديد، وكشفت عن مدى التصدع بين حزب الرئيس الذي لا يزال موالياً له الحزب الاشتراكي الصربي وحزب زوجته حزب اليسار اليوغوسلافي الذي لم يعد موجوداً سوى على الورق. وكان لافتاً للنظر ان ميلوشيفيتش، في دفاعه عن نفسه وعهده، لا يزال يؤمن انه كان ضحية. ويستشهد بما يلاحق زوجته من اتهامات "على رغم ان كتبها ترجمت الى اكثر من ثلاثين لغة". ولكن يبدو ان الجيل الجديد الذي يمثل "الحزب الاشتراكي الصربي" لم يعد يشاطر رئيسه مثل هذا الرأي في زوجته، وخصوصاً في حزبها الذي كان واجهة لمصالح شخصية. وفي الواقع هناك من يتوقع محاكمة للسيدة ماركوفيتش في صربيا ذاتها، حيث تنتظر اتهامات كثيرة بإساءة النفوذ في اثناء حكم زوجها. وهناك من هو مستعد للإدلاء بشهادة على ما كانت تمارسه، سواء بعلم زوجها او من وراء ظهر زوجها. وهكذا يبدو ان محاكمة ميلوشيفيتش التي كان ينتظر بعضهم ان تساعد الصرب على "التطهير" عما ينسب الى ميلوشيفيتش من جرائم ضد الانسانية، قد اثمرت "تمرداً" في صفوف حزبه على دور زوجته في ما حدث في صربيا، سواء في سنوات حكمه او سقوطه المدوي في تشرين الأول اكتوبر 2000. * كاتب كوسوفي/ سوري.