تحظى مبادرة الأمير عبدالله بتأييد واسع في العواصم العربية والعالمية غير ان كل من يؤيدها، بمن في ذلك ولي العهد السعودي نفسه، يدرك ان المبادرة لن تؤتي ثمارها غداً أو بعد غد، وإنما هي مشروع سينضج خلال سنتين الى ثلاث سنوات، وبعد خروج آرييل شارون من رئاسة الوزارة الاسرائىلية. شارون لن يقبل الانسحاب الكامل مقابل التطبيع الكامل، وهذا موقف نهائي، وهو كل ما يريد من المبادرة فرصة "رد اعتبار" بصورة له مع الأمير عبدالله، لذلك ذكرت الصحف الاسرائىلية أنه وسط وزير الخارجية الاميركية كولن باول والرئيس حسني مبارك وحمل المبعوث الأوروبي خافيير سولانا رسالة بهذا المعنى. شارون يستطيع ان يحلم أحلاماً مريضة، الا انه أسجّل هنا على نفسي ان الأمير عبدالله لن يقابله اليوم أو غداً. وشارون ليس وحيداً، فالرئيس الاسرائىلي موشي كاتزاف يحلم بزيارة الرياض للبحث في المبادرة، وأسجل على نفسي ايضاً أنه لن يزورها. ويبدو ان وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز يعرف الموقف السعودي أفضل من ارهابيي ليكود، لذلك فهو قال ساخراً ان كاتزاف لن يحصل على فيزا لزيارة المملكة العربية السعودية. الاردن يؤيد المبادرة السعودية بنشاط، ووزير خارجيته الدكتور مروان معشر يقول ان الاردن مهتم كثيراً بتبني القمة القادمة المبادرة السعودية، والتركيز هو على الاراضي العربية المحتلة كلها، بما فيها الجولان. وفي حين ان المبادرة السعودية ستفرض على الولاياتالمتحدة التحرّك، فان الدكتور معشر قال لي في حديث هاتفي امس ان الصورة ستصبح أوضح بعد عودة الرئيس مبارك من زيارته واشنطن. وقال الوزير "لسنا تحت وهم ان شارون سيقبل المبادرة، وأنا واثق من أنه لن يقبل. لذلك يجب ان نستعد لمرحلة ما بعد شارون، فرئيس الوزراء الذي سيخلفه يجب ان يجد أمامه بديلاً يحظى بصدقية...". البديل السياسي للعنف هو هذه المبادرة التي أيدها ابو عمار بقوة، وكذلك الرئيس بوش والاوروبيون والروس، والدول الاخرى من اعضاء مجلس الأمن الذي ناقش المواجهة في الاراضي المحتلة. مع ذلك الدكتور معشر يتحدث بشكل عملي عن مبادرة نفس طويل، فلا عصا سحرية هناك، المطلوب وضع استراتيجية مشتركة تقود نحو الحل خلال سنتين أو ثلاث. ولا بد ان المبادرة ستضع شارون واسرائيل في زاوية، فما طلبت اسرائيل دائماً هو ان تضمن الدول العربية أمنها، والمبادرة تفعل ذلك، وهي ستكون أقوى وأبعد اثراً بتأييد الدول العربية كلها لها. سورية لم تعارض المبادرة، ولم تؤيدها، وفي حين ان السكوت علامة الرضا، فان هناك اشارات من دمشق عن تململ أو عدم ارتياح. غير ان الأمير عبدالله تربطه شخصياً بالمسؤولين السوريين علاقة وثيقة جداً، ويصعب ان نتصور وضعاً يقبل فيه هؤلاء المسؤولون ان تتأثر هذه العلاقة لأي سبب. غير ان التأييد الاساسي يجب ان يأتي من الولاياتالمتحدة، وهو ما دعا اليه أبو عمار في مقابلة نشرتها "نيويورك تايمز" امس. وكان الرئيس بوش اتصل بالأمير عبدالله وأيد مبادرته، الا ان الرئيس الاميركي أصرّ في الوقت نفسه على تقرير ميتشل والخطوات المقترحة فيه لوقف العنف وبناء الثقة ثم التفاوض. وهذا كلام جميل وخاطئ، فالعنف من اسرائيل، وهناك عمليات اسرائىلية كل يوم لا هدف لها غير استمرار العنف. وعندما يجلس الرئيس بوش مع مجرم حرب من نوع شارون في البيت الابيض، ويطالب بمحاربة الارهاب، فانه لن يجد عربياً أو مسلماً واحداً يصدقه طالما انه يتعامل مع أكبر ارهابي في الشرق الاوسط ويشجعه. ولكن هل يشجع بوش شارون كما نعتقد؟ هناك رأي مكيافيلي في الموضوع خلاصته ان العنف المتبادل يوقع خسائر كبيرة بين الفلسطينيين، الا ان هؤلاء يستطيعون تحمّل خسائرهم. ولكن هناك خسائر في الجانب الاسرائىلي ايضاً، والاسرائىليون لا يتحملونها وقد بدأوا التذمر علناً وانتقاد شارون. فلعل الامر ان الرئيس الاميركي بتشجيع شارون في سياسته يحاول ان "يحرقه"، لأن سياسته هذه ستؤدي الى انقلاب اسرائيلي عليه. وبما ان هذا لن يحصل غداً، وهناك انتخابات ليكود ثم انتخابات نيابية، فاننا نعود الى المبادرة السعودية، والحاجة الى انتظار سنتين أو ثلاث قبل ان تبدأ أي مفاوضات جدية. الدكتور معشر يقول ان توقيت المبادرة مناسب جداً، وفي حين انها لا تحمل تفاصيل كثيرة فهذا غير مطلوب الآن، والمهم ان هناك رسالة جدية من العالم العربي للسير في طريق السلام. كيف تنعكس مبادرة الأمير عبدالله على الاوضاع في الاراضي المحتلة؟ الاجراءات الامنية التي اتخذها أبو عمار ضرورية، غير أنها لا تكفي بذاتها أو لا يمكن ان تستمر الا اذا كانت ستؤدي الى مفاوضات سياسية من النوع الذي توفره المبادرة. وأكمل غداً. جهاد الخازن