ربما كانت المشكلة الكبرى في قمة كامب ديفيد ان الاميركيين يقدرون ايهود باراك أكثر كثيراً مما يقدر الاسرائيليون رئيس وزرائهم. ادارة كلينتون تنظر الى باراك وكأنه ديفيد بن غوريون ثانٍ، أو اسحق رابين، إلا أن الواقع ان باراك لا يكاد يجد مؤيداً له خارج حزبه اسرائيل الواحدة في التنازلات القليلة التي قدمها، بل ان يجد معارضة داخل الحزب. ورئيس وزراء اسرائيل يواجه الآن اسبوعاً حاسماً، ينتهي بنهاية الأربعاء عندما يبدأ الكنيست عطلته الصيفية، مع بقاء احتمال ضعيف بأن تسقط الحكومة قبل ذلك، أو خلال العطلة. غداً الاثنين ينتخب الكنيست رئيساً جديداً، وأمام النواب خيار بين شمعون بيريز وموشي كاتزاف. وسيحسم نواب شاس النتيجة، مع ترجيح ان تصوت غالبيتهم لبيريز بعد أن ترك الزعيم الروحي لشاس الحاخام غوماندا يوسف للأعضاء حرية الاختيار بين المرشحَين. والواقع ان استفتاءات الرأي العام أظهرت تأييداً ساحقاً لبيريز، فقد أيده 63 في المئة من الناخبين في مقابل 20 في المئة لكاتزاف. ومع ذلك يظل حزب شاس المفتاح بنوابه السبعة عشر. يوم الثلثاء يلقي الرئيس المنتخب خطاباً في الكنيست، وكذلك الرئيس الحالي. يوم الأربعاء تحاول الحكومة منع مشروع قانون يطالب بحل الكنيست من الوصول الى مرحلة التصويت عليه في الكنيست. وهي كذلك تقاوم مشروع قرار من بعض النواب الذين يريدون حجب الثقة عن الحكومة في جلسة خاصة للكنيست خلال العطلة. غير أن مشروع القرار هذا يحتاج الى تواقيع 25 نائباً، ثم يحتاج الى موافقة لجنة شؤون الكنيست، ما يجعل اقراره صعباً. وإذا كان باراك عاد ليواجه كنيست معادياً، فأكبر صعوباته من داخل حكومته وحزبه. ووزير الخارجية ديفيد ليفي لم يرافق باراك الى الولاياتالمتحدة، ثم زار المستوطنين المضربين عن الطعام، وأعلن تأييده لهم. وهو بعد عودة باراك أعلن أنه يفكر في الاستقالة. وقد اجتمع مع باراك الجمعة، وكان يفترض أن يجتمعا من جديد اليوم الأحد. وأعلن ليفي بوضوح انه يعارض موقف باراك في كامب ديفيد. ليفي هذا يميني متطرف اختلف يوماً مع مناحيم بيغن، ثم اختلف مع بنيامين نتانياهو واستقال. وهو ربما كان أشد الوزراء في حكومة باراك معارضة لعملية السلام. غير ان باراك تلقى نقداً من مصدر غير متوقع بعد عودته، فقد قال حاييم رامون، وزير شؤون القدس، ان المفاوضات في كامب ديفيد جرت بأسلوب الهواة، وانتقد عدم عرض باراك مستقبل القدس لنقاش داخل اسرائيل الواحدة قبل الذهاب الى أميركا. باراك اليوم يملك خيارات عدة، فهو يستطيع أن يستمر بحكومة أقلية من الوسط واليسار تضم مع اسرائيل الواحدة حزبي ميريتز وشينوي، مع تأييد النواب العرب من الخارج. وقد أرسل فعلاً وسطاء الى زعيم شينوي يوسف لابيد يسأله عن نوع الحكومة التي يقبل دخولها. الا ان باراك يفضل أن يحكم عن طريق ائتلاف عريض، لذلك فهو يجري اتصالات في الوقت نفسه مع شاس واسرائيل بعاليا والحزب الوطني الديني للعودة الى الحكومة التي تركتها هذه الأحزاب عندما قرر باراك الذهاب الى كامب ديفيد. واتصل باراك غير مرة منذ عودته مع ارييل شارون، زعيم حزب ليكود، وقيل انهما بحثا في تشكيل حكومة وحدة وطنية، غير ان شارون يعارض موقف باراك في كامب ديفيد، ولا يثق أصلاً برئيس الوزراء، وإنما يعتقد انه يفاوضه لتخويف شاس واقناع هذا الحزب بالعودة الى الحكومة. وتبقى العلاقات مقطوعة بين ليكود وشاس، حتى وهما معاً في المعارضة، منذ صوت ليكود ضد منح طلاب الدين الحراديم اعفاءات من الخدمة العسكرية، في حين أيد باراك وحزبه اسرائيل الواحدة الاعفاء الذي طالب به المتدينون. المهم من كل هذا، ان هذه السطور لن تنشر حتى يكون الرئيس كلينتون كال المديح لباراك على التلفزيون الاسرائيلي، فيما ظهر رئيس الوزراء الاسرائيلي على الحائط، يحاصره الحليف قبل الخصم. كل الاحتمالات وارد في الوضع السياسي الاسرائيلي الداخلي، وكله سيؤثر في المفاوضات التي أكد الفرقاء كافة انها ستستمر بشكل أو بآخر، بعد انتهاء قمة كامب ديفيد، أملاً بالوصول الى حل قبل 13 أيلول سبتمبر عندما يفترض أن تعلن الدولة الفلسطينية المستقلة. وهناك حديث منذ الآن عن ارجاء الاعلان حتى تشرين الثاني نوفمبر أملاً بالوصول الى حل فلا يكون الاعلان من طرف واحد. وأختتم بشيء فلسطيني: كنت وكثيرون نخشى، وأبو عمار أكبر سناً من كلينتون وباراك وأسوأ صحة، أن يضعف الرئيس الفلسطيني أمام الضغط والجلسات الماراثونية، ويقبل ما لا يجوز قبوله. إلا أنه صمد وعاد الى بلاده بطلاً. شخصياً أعتقد أن الحل العادل الوحيد هو أن تعود فلسطين كلها الى أهلها، إلا أن المطروح ليس احلامي وأحلام القارئ، وإنما سياسة عملية ومنطقية. والحل بالتالي لن يعيد فلسطين الى أهلها، بل لن يعيد نصفها. وبما أننا جميعاً نريد حلاً سلمياً فلا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، فإن تقديم تنازلات، وإبداء مرونة، واجب، وطالما ان القدس لم تعد "عاصمة موحدة أبدية" لاسرائيل، فهي يمكن أن تصبح عاصمتين لبلدين وشعبين، فيترك الحي اليهودي لليهود اذا كان هذا ثمن حل "عادل"، وهنا يصبح قبول الفلسطينيين هذا التنازل الحقيقي عن حق لهم في أرض محتلة شجاعة تقتضيها سياسة المنطق والواقع، إذا كان للشعب الفلسطيني ان يرتاح ويلتقط أنفاسه بعد قرن كامل من النضال.