أشرت أمس الى طغيان قضية الارهاب على السياسة الخارجية الاميركية في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي، وأكمل اليوم بهذا الارهاب، فقد تحدث الرئيس جورج بوش عن الموضوع، وقد جلس الى جانبه في البيت الأبيض اول ارهابي، وأكبر ارهابي، في الشرق الأوسط، فرئيس وزراء اسرائيل آرييل شارون هو الذي قتل ثلاثة مستوطنين في غور الأردن قبل يومين، لأنه هو الذي أمر بقتل خمسة نشطاء فلسطينيين قبل ذلك باثنتين وسبعين ساعة، وهو يعرف جيداً ان الرد قادم وحتمي. المشكلة في الارهاب ليس سفينة اسلحة يستوردها الفلسطينيون للدفاع عن انفسهم، بل تأييد الولاياتالمتحدة الارهاب الاسرائيلي ببليوني دولار من المساعدات العسكرية، ثم استقبال مجرم حرب في البيت الأبيض، للمرة الرابعة خلال سنة، وتشجيعه بالتالي على ارتكاب مزيد من الجرائم. مع ذلك جلس الرئيس بوش مع شارون في البيت الأبيض وطلب من ياسر عرفات وقف الارهاب، من دون ان يرى ارهاب المجرم الجالس معه، وقد انتفخ بطنه، وكأنه أكل طفلاً فلسطينياً في الصباح. وكرر الرئيس بوش ثلاث مرات أو اكثر انه "لا يستطيع ان يكون أوضح" في دعوته أبو عمار الى بذل جهد كامل لمكافحة الارهاب، فيما ادارته تؤيد الاغتيال والتدمير والحصار، وكلها ارهاب خالص. وبما ان الدول العربية غائبة عن الوعي، او مغيبة، فقد سمعنا من واشنطن: نائب الرئيس ديك تشيني يقول لوزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر "بالنسبة اليّ تستطيعون ان تشنقوا عرفات". مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس تقول انها قطعت الأمل بعرفات، والكلام معه مضيعة للوقت. وزير الخارجية كولن باول يقول ان من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها، فهو يعتبر الاغتيال والتدمير دفاعاً عن النفس، لا جرائم تسبب الارهاب المضاد. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يتآمر مع بن اليعيزر على العراق. الادارة كلها تستعد لحرب على العراقوإيران بناء على طلب اسرائيل. لو ان ياسر عرفات وقف شرطياً على باب شارون واضطهد شعبه، لكان الاميركيون اليوم يعتبرونه بطل سلام في فلسطين والمنطقة كلها، غير انه لم يفعل لذلك يبحثون عن بديل له أو بدائل، فلا أقول سوى ان شعبه انتخبه بغالبية واضحة، وان النتيجة لم ينازعه عليها احد ولم تصل الى محكمة عليا او سفلى. أغرب ما في أمر الوقاحة الاميركية في تأييد الارهاب الاسرائيلي ان ادارة بوش استقبلت هذا الاسبوع ثلاث حكومات اسرائيلية، فقد كان هناك شارون المطلوب للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ووزير الخارجية شمعون بيريز، وهو كذاب محترف يحمل خطة للسلام لا يؤيدها احد غيره، وبن اليعيزر الذي يقول انه لا يحمل خطة للتهدئة او السلام، وإنما لمح الى انسحاب تدريجي بطيء جداً، وواضح ان خطته رئاسة الوزارة لا السلام. بكلام آخر، الادارة الاميركية اكثر توافقاً مع الموقف الاسرائيلي من الحكومة الاسرائيلية نفسها، فلا توافق بين اركانها. والصحافة الاسرائيلية تتحدث عن الفشل المطبق لسياسات شارون على كل صعيد، من الأمن الى الاقتصاد، فيما هو يتفاوض مع ادارة تشجع هذه السياسات، اي تزيد من فشلها، وتزيد من معاناة الفلسطينيين. وإذا اعتقد القارئ انني أبالغ فإنني أنقل له عن بنيامين بن اليعيزر قوله حرفياً انه وجد الادارة الاميركية اكثر تطرفاً إزاء عرفات من الاسرائيليين، وان "تشيني اكثر تطرفاً في هذا الموضوع من رحبعام زئيفي". زئيفي هذا هو وزير السياحة الاسرائيلي الذي اغتالته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد اغتيال قائدها أبو علي مصطفى، وكان يترأس حزباً صغيراً متطرفاً سياسته الوحيدة "التسفير"، اي طرد الفلسطينيين من بلادهم. واليوم جعل شارون اعتقال قاتليه شرطاً للتعامل مع السلطة فلا نقول سوى "الجنازة حامية...". السياسة الأميركية الأكثر تطرفاً من زئيفي لا تخدم السلام في الشرق الأوسط، بل تشجع على الارهاب، وتوجده حيث هو غير موجود. وإدارة بوش لا يمكن ان تتنصل من مسؤوليتها عن الارهاب هذا، فهي جعلت النساء يقمن بعمليات انتحارية بعد الرجال. وعندما يتجاوز الارهاب الفلسطينيين ليشمل العراق او إيران، نيابة عن اسرائيل، فإن اجيالاً جديدة من الفدائيين الذين تسميهم أميركا "ارهابيين" ستنهض لتقاوم. وإذا كانت زيارة الحكومة الاسرائيلية واشنطن أثبتت شيئاً فهو ما كتبت غير مرة من ان التعامل مع بعض الاسرائيليين أهون من التعامل مع الادارة الأميركية، فهذه يوجهها متطرفون من يهود اميركيين وغيرهم يشنون علينا حرباً ب"الريموت كونترول"، او حرب نظارة، كما كنا نقول، فكان الأمر اننا امام وضع غريب، فالاسرائيليون ينفضّون من حول حكومة شارون فتلتف حولها الادارة الأميركية.