على رغم الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الاحتلال الاسرائيلي على الفلسطينيين والتطبيق العملي لنظام "الكانتونات" في التجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في صورة حولت الفلسطينيين سجناء في مناطق سكناهم وجعلت كل من يجرؤ على الخروج او التنقل من منطقة الى اخرى يتعرض لاطلاق النار وفي بعض الاحيان الى القتل الفوري، واصل الفلسطينيون أمس تنفيذ عملياتهم الفدائية ضد حواجز الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين. وجاء ذلك في وقت وجه فيه مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا انتقادات شديدة لاسرائيل لاستمرارها في حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وسقط امس شهيدان فلسطينيان برصاص جنود الاحتلال وجرح اربعة آخرون بينهم ثلاثة اطفال. وفي المقابل قتل مسلحون فلسطينيون اثنين من المستوطنين وجرحوا 13 اسرائيلياً في حوادث منفصلة، جروح خمسة منهم خطرة. منذ ساعات الفجر الأولى، قتل جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي المتمركزين على مشارف مدينة رام الله الشاب محمد الحايك 22 عاماً، واصابوا زوجته الحامل ميسون ووالده المسن بجروح خطيرة بالقرب من مخيم بلاطة، بينما كان الثلاثة متوجهين إلى مستشفى في نابلس لتضع ميسون مولودها. وأرغم جنود الاحتلال المرأة الحامل على خلع ملابسها "للتأكد من حملها". وفي حادث آخر قتل جنود الاحتلال الفتاة نورا شلهوب 15 عاماً عند حاجز للجيش قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية وذلك في أحدث عمليات القتل على الحواجز العسكرية التي باتت تشكل "مصائد" للمواطنين الفلسطينيين. وباستثناء الرواية العسكرية الاسرائيلية التي تحدثت عن محاولة نورا طعن الجنود، وانهم اطلقوا النار عليها بعدما اطلقوا عيارات تحذيرية في الهواء، لم تتضح تفاصيل استشهاد الصبية الفلسطينية وهي من سكان قرية الطيبة القريبة من طولكرم. وفي ردة فعل سريعة على انفلات نيران جنود الحواجز العسكرية، اطلق فلسطيني النار على مجموعة من الإسرائيليين في محطة للباصات في شمال القدس مساء أمس فجرح عشرة منهم قبل أن يُقتل بدوره، وفق ما أفادت الاذاعة الإسرائيلية. وذكر ان جروح خمسة من الإسرائيليين خطرة. وكان مسلحون فلسطينيون هاجموا قبل ذلك حاجزاً عسكرياً جنوب مدينة بيت لحم بالقرب من مستوطنة "نوكوديم" وقتلوا اسرائيليين لم يعرف ان كانا من العسكريين او مستوطنين واصابوا مستوطنتين اسرائيليتين. وأعلنت "كتائب شهداء الأقصى" الذراع العسكرية لحركة "فتح" مسؤوليتها عن العملية. وقالت مصادر إسرائيلية إن المسلحين نصبوا كميناً واطلقوا النار باتجاه الحاجز الذي كانت عنده سيارة للمستوطنين اليهود وان إحدى المستوطنتين اللتين اصيبتا في الحادث من مستوطنة "تقواع" المقامة على أراضي قرية تقوع وان احداهما كانت حاملاً. واصيب مستوطن آخر بجروح خطرة جنوب الخليل في وقت سابق. وقالت مصادر عسكرية اسرائيلية ان سيارة مسرعة اطلقت النار على السيارة التي كان المستوطن بداخلها. وفي رام الله، وبعد نحو ثلاثة أشهر من تطويق الدبابات الاسرائيلية مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، انسحب الجيش الاسرائيلي من المناطق التي احتلها في وقت سابق في مدينتي رام الله والبيرة الى مشارف المدينتين وذلك تمشياً مع قرار الحكومة الاسرائيلية "تخفيف" الحصار على عرفات والابقاء على القيود المفروضة على تحركاته. وخلفت القوات الاسرائيلية بعد انسحابها شوارع مدمرة وخراباً في منطقتي البالوع والارسال وشرع المواطنون بفتح محالهم وصيدلياتهم وإزالة السواتر الترابية التي اقامها الجنود خلال فترة الاحتلال. غير ان واقع الحصار المطبق على مدينة رام الله وغيرها من المناطق الفلسطينية بقي على حاله إن لم يزدد تشديداً، إذ ما زال قرار منع المواطنين من التحرك والتنقل من منطقة الى اخرى مفروضاً ما ادى الى حال من الشلل شبه التام في الحياة الطبيعية. ووصف نبيل ابو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني انسحاب الدبابات الاسرائيلية من محيط المقر الرئاسي بأنه "غير كاف على الاطلاق". وطالب برفع الحصار كلياً عن الأراضي الفلسطينية وبانسحاب الجيش الاسرائيلي من كل المناطق التي احتلها. وبدوره، وجه خافيير سولانا انتقادات لاذعة للحكومة الاسرائيلية وقرارها ابقاء الحصار على عرفات. وقال سولانا في مؤتمر صحافي في اعقاب اجتماعه مع وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز ان على اسرائيل رفع الحصار فوراً عن عرفات، مضيفاً ان على الاسرائيليين "تقديم افق سياسي للفلسطينيين ان ارادوا التقدم في المجال الامني". ومن المقرر ان يلتقي سولانا الرئيس الفلسطيني مساء اليوم الثلثاء في رام الله بعدما كان التقى كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات في أريحا أمس. إلى ذلك، قالت مصادر في السلطة الفلسطينية ان مكالمة هاتفية جرت بين عرفات ووزير الخارجية الاميركي كولن باول مساء الأحد ناقشا فيها "التطورات" في المنطقة، وطالب خلالها عرفات بدور اميركي فاعل لوقف الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة ورفع الحصار. وقالت مصادر فلسطينية ل"الحياة" إن باول أجرى سلسلة اتصالات هاتفية مع زعماء منطقة الشرق الأوسط خلال الساعات الماضية بالإضافة الى عرفات، وهم ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية المصري أحمد ماهر ورئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون. وقالت مصادر اسرائيلية ان الاتصالات تناولت المبادرة السعودية واللقاءات الأمنية الأخيرة التي جرت بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وكان الفلسطينيون علقوا اجتماعاً أمنياً كان من المقرر ان يعقد امس الاول احتجاجاً على قرار المجلس الوزاري المصغر ابقاء الرئيس الفلسطيني سجيناً في رام الله، على رغم اعتقال السلطة الفلسطينية خلية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي تتهم إسرائيل اعضاءها بقتل الوزير الاسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي، رداً على مقتل الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى. وترددت أنباء في القدس امس عن لقاء مرتقب بين رئيس المجلس التشريعي احمد قريع أبو علاء ووزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعيزر مساء الاثنين. ولم يؤكد النبأ فلسطينياً. من جهة أخرى، اصيب أربعة فلسطينيين، بينهم ثلاثة أطفال، في مخيم رفح خلال الساعات الأخيرة، وذلك في اعقاب قصف مدفعي من دبابات الاحتلال المتمركزة قرب بوابة صلاح الدين الواقعة على الشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة ومصر. واصيب في القصف الطفلان كامل أبو جزر 12 عاماً ومصباح موافي 10 أعوام بشظايا في جسديهما جراء انفجار جسم مشبوه اثناء العبث به قرب الشريط الحدودي، يعتقد أنه من مخلفات القصف المدفعي الإسرائيلي أول من أمس في المنطقة المحاذية للشريط الحدودي. وقالت مصادر طبية في مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار في رفح الذي نقل إليه الطفلان الجريحان، إن شظايا كثيرة أصابت جسديهما، خصوصاً الصدر وانهما يعانيان جروحاً متوسطة. يذكر ان والد الطفل موافي كان استشهد ابان انتفاضة الأقصى قبل أشهر عدة، فيما استشهد عمه ابان الانتفاضة الأولى 1987-1993، حيث تسكن العائلة في "بلوك او" في مخيم رفح الواقع على الشريط الحدودي والذي يعتبر من أبرز بؤر التوتر والصدامات في قطاع غزة. وكانت الطفلة رباب الهمص 12 عاماً والشاب سمير توفيق أبو لبدة 20 عاماً اصيبا بجروح في قصف بقذائف الدبابات استهدف "بلوك او" ليل أول من أمس. وقالت مصادر الأمن العام الفلسطيني ان الدبابات قصفت "بلوك او" بخمس قذائف مدفعية ما أدى إلى اصابة الشاب والطفلة بجروح. وأضافت المصادر ذاتها ان قوات الاحتلال توغلت خلال الساعات الأخيرة في أكثر من منطقة في قطاع غزة قبل أن تنسحب وتعود إلى مواقعها، خصوصاً وسط القطاع قرب منطقة "كسوفيم" التي شهدت أخيراً عمليات عسكرية وهجمات فلسطينية مختلفة.