قام وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز بزيارة رسمية الى الهند، في غمرة التصعيد الهندي للموقف، وأعلن عن تضامن إسرائيل مع نيودلهي، فما علاقة إسرائيل بالهند، ونزاعها مع باكستان. وهل من تعارض بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي من طرفي النزاع، ومن النزاع ذاته؟ تعود العلاقات الهندية - الإسرائيلية الى بدايات قيام الدولة العبرية، إذ اعترفت الهند بها في 17 ايلول 1950. غير ان العلاقات الثنائية بين الطرفين بقيت في اطار الحد الأدنى حتى 29 كانون الثاني يناير 1992، حيث اعلن عن اقامة علاقات ديبلوماسية كاملة، وتطورت هذه العلاقات بسرعة مع فوز الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة وتراجع دور حزب المؤتمر والأحزاب اليسارية، وتغطي هذه العلاقات كل المجالات، السياسية، والاقتصادية، والتجارية، والعسكرية، والأمنية. وقّع الطرفان الهندي والإسرائيلي ستة اتفاقات في عام 1993، ثم تلتها عشرات الاتفاقات في السنوات اللاحقة، وأقيمت بموجبها مشاريع عدة مشتركة بين شركات هندية وإسرائيلية مدنية وعسكرية. وازداد حجم التبادل التجاري من 350 مليون دولار في عام 1993، الى اكثر من 1250 مليون دولار في عام ألفين. ويعطي الطرفان اهمية كبير للاعتبارات الاقتصادية التجارية، ولا سيما إسرائيل، فالهند سوق استهلاكية كبيرة، وتملك اسرائيل فرصاً جيدة لزيادة حجم التبادل التجاري ولمصلحتها. ويولي الطرفان اهمية اكبر للاعتبارات العسكرية الأمنية. فالهند بحاجة الى التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية والأميركية، وإسرائيل بحاجة الى تنشيط مجمعها الصناعي العسكري الأمني، والحيلولة دون انهياره. وتعود العلاقات العسكرية الأمنية بين الطرفين الى مطلع ستينات القرن الماضي، حين طلبت نيودلهي من إسرائيل مساعدة عسكرية امنية حين انفجر النزاع بين الهندوباكستان، واستجابت اسرائيل لهذا الطلب، وقدمت اسلحة وعتاداً حربياً، ومعلومات استخباراتية. وتحدثت الأنباء في النصف الثاني من السبعينات عن علاقات عسكرية امنية بين الطرفين. وتطورت هذه العلاقات، وبلغت مستويات عالية، مع اقامة العلاقات الديبلوماسية الكاملة. واتفق الطرفان على تشكيل منبر مشترك للحوار الاستراتيجي، ولجة مشتركة لمكافحة ما يسمى بالإرهاب. كما وقّع الطرفان على اتفاق لإنتاج اسلحة اسرائيلية في الهند، بقيمة مليوني دولار، وعلى تزويد الهند بصواريخ بحر - بحر، وطائرات من دون طيار، ومنظومات رادار، وعلى تطوير سلاحي الجو والمدرعات الهنديين، اضافة الى اتفاق على التعاون بين الأجهزة الأمنية لدى الطرفين، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ولا سيما المعلومات الخاصة بالقدرة النووية الباكستانية. وتجرى مباحثات لتزويد الهند بثلاث طائرات استطلاع وإنذار مبكر من نوع فالكون، ومنظومات خاصة بمواجهة الصواريخ البالستية. في الحديث الهندي والإسرائيلي ثمة دوافع مشتركة لتطوير العلاقات الثنائية بين الطرفين، وصولاً الى تحالف استراتيجي، وأشار الى هذا رئيس المعهد الهندي للدراسات الاستراتيجية غاسيت سينغ، وتوقع ان تتطور العلاقات الثنائية في المستقبل، على اساس تماثل المصالح بينهما على حد تعبيره. وتطرق سفير اسرائيل في الهند يهودا حاييم الى هذا الموضوع، فأوضح وجود مصلحة مشتركة للطرفين في تطوير العلاقات الثنائية. وذكر ان احد الدوافع الهندية لتطوير العلاقات مع إسرائيل هو ايمان القيادة الهندية بالعلاقة العضوية بين اسرائيل واللوبي اليهودي في واشنطن، ودور هذا اللوبي في دعم المحاولات الهندية الرامية الى تعزيز شراكة الهند الاستراتيجية للغرب عموماً، والولاياتالمتحدة خصوصاً. لقاء المصالح وتلتقي النظرتان الهندية والإسرائيلية ضد باكستان في مسائل عدة اهمها: - اتهام المقاومة الوطنية في كل من كشمير وفلسطين بالإرهاب، واعتبارها إرهاباً اسلامياً واحداً، يهدد الطرفين. - تأكيد الهوية الإسلامية لباكستان النووية، واعتبار قدرتها النووية تهديداً مباشراً لكل من الطرفين. وتعتبر تل ابيب باكستان في استراتيجية "الأمن القومي الإسرائيلي" انها تقع على محيط دائرة تضم اسلام اباد شرقاً، والدار البيضاء غرباً. وتستغل اسرائيل التوجهات الهندية الخاصة بالدعم الأميركي، للحصول على التكنولوجيا العسكرية المتطورة، والمعلومات الاستخباراتية الخاصة بحركة المقاومة الكشميرية، وتسعى الى تطوير العلاقات مع الهند الى درجة التحالف الاستراتيجي، لدفعها الى تدمير البنية التحتية الباكستانية الخاصة بالسلاح النووي، الى جانب توتير العلاقات الهندية - الإيرانية الى درجة المواجهة، كما تسعى الى غزو السوق الهندية المدنية والعسكرية على حد سواء، تحت يافطة المصالح المشتركة، والعدو المشترك. ووافقت الولاياتالمتحدة على ان تزود إسرائيل الهند بتكنولوجيا عسكرية متطورة، تمانع الولاياتالمتحدة بشدة على تصديرها الى دول اخرى، منها على سبيل المثال طائرة الاستطلاع والإنذار المبكر من نوع فالكون، التي منعت الولاياتالمتحدة تصديرها الى الصين، على رغم توقيع العقد بين بكين وإسرائيل. مساعدات عسكرية ويوضح الإصرار الإسرائيلي على تزويد الهند بأحدث التكنولوجيا العسكرية، بأن اسرائيل معنية بتصعيد النزاع الباكستاني - الهندي، كما يوضح السماح الأميركي لإسرائيل بتصدير هذه التكنولوجيا الى الهند، بأن الولاياتالمتحدة ايضاً معنية بتصعيد هذا النزاع ولكن ضمن حدود تخدم المصالح الأميركية في باكستان وجوارها من دون ان تمس هذه المصالح او تهددها. ويؤكد هذا الإصرار الإسرائيلي على دعم الهند، وهذا السماح الأميركي بدعم الهند، وجود تنسيق اميركي - اسرائيلي، تحت يافطة مكافحة الإرهاب، في كل ما يتعلق بباكستان، وبالنزاع الباكستاني - الهندي. كما يوضح وجود مصلحة مشتركة، اميركية وإسرائيلية، في المطالب الهندية الخاصة بما يسمى بالإرهاب، تتمثل في تسويغ السياستين الأميركية والإسرائيلية، حول ما يسمى بالإرهاب. ونجحت باكستان في امتلاك القدرة النووية، وإمكانات الردع النووي، وفي تشكيل ثقل استراتيجي في المنطقة، وفي خلق توازن استراتيجي اقليمي، وتلتقي الاستراتيجيات الأميركية والإسرائيلية والهندية على تحجيم هذه النجاحات... إن لم نقل تدميرها. * مدير مجلة "الأرض" للدراسات الفلسطينية.