أظهرت زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي الأخيرة الى الهند وتصريحاته عن تطوير التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك التعاون العسكري، حرص الهند واسرائيل على المضي قدماً في تطوير علاقاتهما. وتستغل اسرائيل التفجيرات النوويه الهنديةوالباكستانية في أيار مايو الماضي لدعم سعيها لبناء علاقات استراتيجية مع الهند تقوم على اعتبار المصالح الامنية المشتركة المهددة ب "الارهاب الاسلامي الذي قد تمثله الجماعات أو الدول"، كما تشيع إسرائيل الآن. وتعترض الجهود الاسرائيلية عقبات عديدة على رغم التحسن الذي طرأ على علاقات البلدين. حاولت إسرائيل منذ تأسيسها اقامة علاقات مع الهند لكنها لم تحقق نجاحات بارزة في عهد نهرو وحزبه. وكانت الهند إحدى ثلاث دول أجنبية اعترضت على قرار تقسيم فلسطين في عام 1947. ولم تقم علاقات ديبلوماسية كاملة بين البلدين، واكتفت الهند بافتتاح قنصلية اسرائيلية في مومباي وتسهيل هجرة 20 ألف يهودي هندي الى اسرائيل. وظلت الاتصالات نادرة بين البلدين واتخذت في الغالب طابعاً سرياً. وقام وزير الخارجية الاسرائيلي موشي دايان في عام 1977 بزيارة سرية إلى الهند قابل خلالها زعماء أول حكومة لا يشكلها حزب المؤتمر. وكان وزير الخارجية الهندي آنذاك اتال بهاري فاجاباي رئيس الوزراء الحالي. ولم تقم علاقات رسمية بين الطرفين على رغم الاتصالات العديدة والتعاون في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى عام 1992 مع بدايات العملية السلمية في مدريد. وتطورت العلاقات في العقد الجاري في المجالين التجاري والعسكري. وزاد حجم التبادل التجاري بين البلدين من 128 مليوناً العقد الماضي إلى قرابة 600 مليون دولار عام 1996. ومال الميزان لمصلحة الهند، إضافة إلى استفادتها من امتيازات اتفاق التجارة الحرة بين إسرائيل وأوروبا، كذلك الامتيازات الخاصة التي تمنحها الولاياتالمتحدة للتجارة مع اسرائيل. وتم توقيع اتفاقات بين اسرائيل وبعض الولاياتالهندية بينها اتفاقية للتعاون مع ولاية هاريانا عام 1994 بقيمة 800 مليون دولار. على الصعيد العسكري، لا تتوافر الكثير من المعلومات، لكن بعض المصادر الغربية تشير الى تزويد اسرائيل الهند بأجهزة لاستخدام أشعة الليزر في طائراتها الحربية لتوجيه صواريخ مشابهة للصواريخ الأميركية كروز التي استخدمت ضد العراق في عام 1991، إضافة الى شرائها معدات لتوجية المركبات والعربات العسكرية عن بعد وقيام الهند بالتوصية لشراء قوارب عسكرية للهجمات السريعة من طراز "تي - 80" من شركات تتعاون مع إسرائيل. وتشير تصريحات وزير الدفاع الهندي شاراد باوار عام 1992 الى تعاون آخر في مجالات التدريب، إذ أعرب باوار عن اهتمام بلاده بالاستفادة من تجربة اسرائيل في مكافحة "الارهاب"، وقام في 1993 بزيارة لإسرائيل على رأس وفد كبير ضم خبراء في مجال الدفاع. وقام قبل ذلك نائب المدير العام للخارجية الاسرائيلية موشي يغار بزيارة للهند ناقش فيها التعاون الدفاعي. وإثر التفجيرات النووية الهنديةوالباكستانية سلطت الاضواء على التعاون الهندي - الاسرائيلي في المجال النووي، ونشرت صحيفة "واشنطن تايمز" في 2 حزيران يونيو الماضي تقارير عن زيارات لإسرائيل قام بها المسؤول عن دائرة الابحاث في وزارة الدفاع الهندية ما بين عامي 1996- 1997. وتنفي اسرائيل وجود تنسيق أو تعاون في المجالات النووية. وحسب تصريحات رسمية نقلتها صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية في 4 حزيران الماضي، فإن تبادل الزيارات بين الحكومتين تتم في اطار استكمال انشاء هيئة استشارات استراتيجية مشتركة بدأت في تشرين الأول اكتوبر الماضي بين الخارجيتين الاسرائيلية والهندية. ويقول الرسميون الاسرائيليون إن ضعف اسرائيل هو أيضاً ضعف للهند والعكس، كما قال السفير الاسرائيلي في الهند عام 1992، ورأى بنيامين نتانياهو عام 1992 وقبل سنوات من توليه رئاسة الحكومة ان الهند واسرائيل تواجهان مخاوف تهديدات مشتركة من الارهابيين والاصوليين. وبعد قيام باكستان بتفجيراتها النووية صار من السهل على نتانياهو الذي يرأس الحكومة الاسرائيلية تسويق بضاعتة ومحاولة ايجاد قواسم مشتركة لترسيخ التعاون الاسرائيلي - الهندي في كل المجالات، خصوصاً الامنية والعسكرية. وتبث اسرائيل المخاوف مما تسميه هي وبعض وسائل الاعلام العربي من "القنبلة الاسلامية". وعلى رغم هلع الدوائر العسكرية الاسرائيلية والمؤسسة المدنية من مضاعفات نجاح التفجير النوويي الباكستاني، انصبت الجهود الاسرائيلية من الناحيه العملية على ايران، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية الايراني كمال خرازي إلى الباكستان بعد أقل من 48 ساعة على التفجيرات وإعلانه ارتياح المسلمين. ورأى نتانياهو ان الموضوع الباكستاني قرب الخطر النووي الى المنطقة، وان امتلاك إيران للسلاح النووي من شأنه ان يهدد الاستقرار في المنطقة وفي العالم. وقبل ساعات من قيامها باجراء تفجيراتها النووية أعلنت باكستان ان إسرائيل تحضر لضرب مراكزها النووية انطلاقاً من الهند. وكان ذلك كافياً لإثارة عاصفة حول علاقات التعاون النووي الاسرائيلي - الهندي وتحول اسرائيل الى عنصر ذات حضور اقليمي في ما يخص مشاكل شبه القارة الآسيوية المتوارثة حتى قبل انشاء الكيان الاسرائيلي. وعلى أي حال ما زالت الهند حريصة على نوع من الصلات الجيدة مع العرب اخذة بالحسبان الموقف العربي من النزاع الباكستاني - الهندي على كشمير وبعض المصالح الاقتصادية مع العرب، خصوصاً سوق العمالة. وتحاول الهند الابقاء على نوع من التوازن في العلاقة مع الفلسطينيين وجددت خلال زيارة قام بها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى الهند في تشرين الأول اكتوبر الماضي فرصة لاعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، ووقعت مع السلطة الفلسطينية اتفاقية اقتصادية. وقام حديثاً وفد هندي بزيارة الى غزة تم خلالها التباحث في العلاقات الاقتصادية ووضع العملية السلمية. كذلك تأخذ في الحسبان ثقل الهند والمعارضة الهندية التي يتزعمها حزب المؤتمر، كما قام الشهر الماضي وفد من حركة "فتح" ضم هاني الحسن والسفير الفلسطيني خالد الشيخ بزيارة إلى الهند، وحصل على دعم قوي من الحزب الشيوعي، كذلك التقى الوفد زعيمة حزب المؤتمر سونيا غاندي التي أيدت مجدداً الحقوق الفلسطينية وقيام الدولة المستقلة. واتفق الجانبان على تطوير العلاقات بينهما. ويحد أيضاً من سعة آفاق العلاقة الاسرائيلية - الهندية حجم المسلمين في الهند يتجاوز عددهم 120 مليوناً. وأخيراً، من المهم الاشارة الى ان للصراع في تلك المناطق آلية مختلفة وتحكمه ضوابط معينة. ويتفق محللون على أن السماح لإسرائيل بالتأثير على مجراه سيتحول إلى عنصر تفجيري. ويعرفون في الهند، كما في الباكستان، ان اسرائيل لا تريد ان يعم السلام في تلك المنطقة، لأن ذلك سيقلل من الاعتماد على الخدمات الاسرائيلية الامنية والعسكرية. وربما حققت اسرائيل مكاسب بسبب عوامل من أهمها عدم التفاعل العربي مع التغيرات الدولية إلى التغيرات السريعة الاستراتيجية والاقتصادية التي تعصف بآسيا. ولكن هذه المكاسب لا ترقى إلى المستوى الذي تريده إسرائيل ولا يبدو أنها ستتعدى وضعها الراهن في المستقبل القريب على الاقل. * صحافي فلسطيني.