لم تكن الجملة الشهيرة التي اعاد اطلاقها في شكل واسع الفنان دريد لحام في مسلسل "صح النوم": "إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" مطلع السبعينات من القرن الماضي، الجملة الوحيدة التي فعلت فعلها في المجتمع السوري وتم تداولها في شكل واسع على الصعيدين الأخلاقي واللفظي لعقود طويلة. فالدراما السورية، ومنذ انطلاقتها الواسعة قبل عشر سنوات كرست الكثير من العبارات ذات الانعكاس السلبي على العلاقات الاجتماعية وغيرها. وبقدر ما تكون الشخصية التي أطلقت الجملة محببة لدى المتلقي بقدر ما يكون تأثيرها أكثر عمقاً وأطول زمناً. فالجملة السابقة التي جاءت على لسان "غوار الطوشة" ما زالت متداولة حتى الآن، حتى أصبحت احد المكونات الرئيسة لفلسفة الأخلاق في المجتمع المحلي، والجميع يريد ان يكون ذئباً ليتمكن من مصارعة الذئاب التي تتربص به. وبعض المصطلحات التي تفرزها الدراما داخل المجتمع، يأتي انعكاساً لحال اجتماعية وأخلاقية - سلوكية منها انتشار الرشوة والفساد. فعبر محاولة الدراما رصد مثل هذه الحالات ينطلق مصطلح ما ليعلق في أذهان المشاهدين، مثل "اكويها" وتعني ادفع عليها رشوة. والكلمة ذاتها تمت استعارتها من عملية كوي الملابس لتبدو جميلة ومحترمة، ومن هنا فإن علاقة الكوي بالرشوة تعني ان معاملتك الحكومية ستكون موضع احترام عندما "تكويها"، وكذلك كلمة "حط لها زيت" ما يعني الانزلاق وبالتالي ادفع رشوة لتنزلق المعاملة بيسر وسهولة. وهناك جملة طريفة جاءت على لسان الممثل أندريه سكاف في مسلسل "نهاية رجل شجاع" حيث لعب دور "زلقط" الذي يردد باستمرار عبارة "إيه... مو غلط" وهي كناية عن عدم اقتناع بما يقال، لكن الأخير مضطر لتقديم تنازلات يطمح من خلالها لتحقيق مطلب ما. ومن المصطلحات التي تستخدم في المشاجرات كلمة "كغي" وجاءت على لسان الممثل بسام كوسا في مسلسل "أيام شامية"، وتعني ان الطرف الآخر الراغب في المشاجرة طفل صغير، ذلك ان "كغي" تستعمل في العادة لمداعبة الأطفال، ويأتي استخدامها هنا للسخرية والنيل من شخصية الآخر، أو كلمة "كدي ولوه" أي ابتعد عن طريقي، أو "أضوي" وتعني الطلب من الطرف الآخر الابتعاد عن المكان ليفسح المجال للضوء بالدخول، كناية عن انه يسد منافذ الهواء وأشعة الشمس بحضوره الثقيل والداكن. ومن الجمل التي تحمل معنى اللامبالاة، الجملة التي ظهرت في مسلسل "يوميات مدير عام" للمخرج هشام شربتجي وتقول "إذا بدك تستريح... شو ما شفت قول مليح" وتحمل في طياتها قدراً كبيراً من خوف المواطن وعدم رغبته في زج نفسه في ما يعتقد انه لا يعنيه، وحرصه على قبول كل ما يحدث، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومن ذلك أيضاً "طنش تعش" وهي مطابقة بدلالاتها واستخداماتها للجملة السابقة، إذ تحض على الاستسلام، وقبول ما هو مفروض من دون نقاش. وفي المسلسل نفسه ظهرت أيضاً كلمة "عوجة" التي تشير بلهجة الدمشقيين الى ثمار اللوز قبل نضوجه، إذ تبدو الثمرة مائلة في شكل يستحيل تقويمها إلا بكسرها، واستخدمت هنا للدلالة على ان الفوضى والفساد سيظلان قائمين ومن الصعب "تجليس" الاعوجاج الحاصل. ولمسلسل "مرايا" الذي يقدمه الفنان ياسر العظمة سنوياً في شهر رمضان المبارك، حظ وافر من الألفاظ والمصطلحات التي تأخذ مكانها في المجتمع السوري، ولعله من أكثر الأعمال تأثيراً في هذا المجال لاعتبارات عدة ليس آخرها المكانة التي يتمتع بها العظمة لدى المتلقي المحلي، ومن أكثر جمله شيوعاً الرقم "999" الذي بات يشير الآن الى أحد فروع أجهزة الأمن "الاستخبارات". فعندما يتجاوز أحدهم الخطوط الحمر في نقاش سياسي، يحذره آخر بقوله: "كأنك ناوي تزور 999". حتى ان الرقم دخل الكثير من الطرف التي يتبادلها الشارع المحلي، وتشير بمجملها الى الخوف من الأجهزة الأمنية على غرار ما حدث مع العظمة في احدى الحلقات، إذ يفقد صوابه وتنهار أعصابه حين يعلم ان فرع الأمن ذا الرقم المذكور سابقاً قدم مذكرة استدعاء بحقه في تصوير صادق ومطابق لحال أي مواطن سوري يتم استدعاؤه لفرع أمن حتى وان كان بصفة شاهد، أو حتى لأمر يتعلق بمخالفة مرورية، ولربما لم يكن في وارد الفنان العظمة إظهار دور أجهزة الأمن بقدر ما قصد السخرية من خوف المواطن غير المبرر. ويمكن رصد كثير من الجمل والمصطلحات التي كان لها حضورها على ألسنة الناس، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتخلص في الآتي: من أين تأتي الدراما بمثل هذه الكلمات؟؟!! الجواب يبدو معروفاً، من الناس طبعاً، لكن الدراما تعيد صوغها وعلى عاتق المتلقي تقع مسؤولية اعادة انتاجها وفقاً لظرفه الحالي.