} في الملحق الفائت نشرنا ردود عدد من الفنانين والكتّاب التلفزيونيين في سورية عن سؤال اساسي مطروح يتعلق ب"كيف يمكن الدراما التلفزيونية السورية التطور، في ظل عقلية رقابية تمنع البحث في محرمات المجتمع الثلاثة: الدين والجنس والسياسة؟". وفي هذا الملحق نستأنف طرح السؤال الذي يجيب عنه فنانون وكتّاب آخرون، هم الكاتب هاني السعدي والفنانة ثراء دبسي والكاتب الممثل احمد السيد. 1 هاني السعدي كاتب سيناريو وممثل سوري. هي الدراما العربية، لا الدراما السورية. فالعقلية الرقابية في بعض المحطات العربية لا تقارن بعقلية الرقابة السورية، ومسلسل "مرايا" للفنان ياسر العظمة دليل واضح الى مساحة الحرية في الدراما السورية، علماً أنه أُنتج وأجيز رقابياً في سورية، فيما هناك أعمال تعرض على الشاشة السورية لكنها تقصّ وتبتر وتُشوَّه في بعض المحطات العربية. الا أن هذا لا يمنع من القول إن هناك مشكلة كبيرة في التعرض لقضايا الدين والجنس والسياسة، درامياً، في المحطات قاطبة. ثم ان البحث في المحرمات واسع، يحتمل التأويل والغوص بعيداً... وقد يفهم من المحرمات الإلحاد، في الدين، مثلاً، أو الإباحية في الجنس، أو المعارضة المطلقة في السياسة. ونحن ككتاب، لا نحتاج الى مساحة كبيرة من الحرية لنتوغل في الميادين الثلاثة، كما يحلو لنا، أو حتى كما نراه صواباً. نحن نحتاج الى مقدار ضئيل للبحث في قضايا نعتقد أن المواطن في أمس الحاجة الى القاء الضوء عليها أو مناقشتها في نقد موضوعي بنّاء يتيح له فسحة أكبر من الرؤية الصادقة البعيدة من المجاملة أو الخالية من ذر الرماد في العيون. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أنا ككاتب أتوق الى معالجة مسألة حب المسلم للمسيحية أو العكس، وهو أمر يحدث كل يوم في ما يتعلق بالدين بالطبع، ومناقشة الكبت الجنسي وما يتركه من آثار سلبية في الشبيبة وكبار السن أيضاً، أو التعرض لمشكلة الخيانة الزوجية التي تفشت في المجتمع، فبَدَوْنا مضحكين ونحن ندفن رؤوسنا في الرمال. ثم انني أطمع برفض موقف سياسي قد تتبناه جهات رسمية علناً، لأقول رأيي الحر. تلك الأمور مثلاً يصعب علينا التصدي لها، لأنها "مطموسة" باللون الأحمر. فإن ابتعدت عن الإيغال عميقاً في أمور الدين والجنس والسياسة، أجد رغبات أخرى تشدني الى مناقشة جملة من القضايا التي يجب ألا تعتبر خطرة أو محظورة. ومع هذا، لا أستطيع الخوض فيها كما يجب، أو كما يتطلب الأمر. ففي قضية الرشوة مثلاً، لماذا لا أستطيع التحدث عن موظف حكومي مرتش نتيجة للضغط الاقتصادي وقلة الراتب الممنوح، سواء كان موظفاً أم ضابطاً أم قاضياً؟ لماذا يكون المرتشي أغلب الأحيان موظفاً في القطاع الخاص في معظم أعمالنا؟ لذا قد نلجأ أحياناً نحن الكتّاب الى التحايل على الرقابة لقول بعض ما نريد، مثلما فعلت في مسلسل "العنيد" عندما استعضت عن رشوة الموظف المحتاج الى التسول بديلاً منها، أو كما فعلت في تمثيلية "اليوم الطويل" عندما تكلمت عن النحس بدلاً من الاحتجاج على الراتب والمعيشة. ومع ذلك فالتحايل لا يمكن أن يكون وسيلتنا للخروج من الدائرة المفرغة، لأننا لن نخرج منها عموماً. فالتطور درامياً لا يمكن أن يسير قُدُماً، وثمة حارس في رأس كل منا يشير الى المناطق "الملغومة". كذلك لا نستطيع أن نكتب قناعاتنا، لأن ما سنكتبه لن يخرج الى النور في عصر الممنوعات، مع أن عصر اليوم يختلف إختلافاً جذرياً عن عصر الأمس. لكن التطور الذي يمرّ بالآخرين لا يمر بنا على ما يبدو، أو أن هناك خوفاً لا أجد مبرراً له. وفي النهاية الكتابة والتمثيل والاخراج بالنسبة الينا وسائل للعيش، شئنا أم أبينا. فهل نبقى من دون عمل لنقعد على أبواب الجوامع؟! أم نعمل وفق الشروط المفروضة علينا؟ بقي أن نقول إن الدراما السورية تطورت في المدة الأخيرة على رغم المحظورات، وقليل من فك الحصار سيتيح لها تطوراً أكبر. وهذا ينطبق على الدراما العربية عموماً. ثراء دبسي فنانة سورية. المحرمات التي تقف الرقابة أمامها رافعة راية الحزم ومنع المرور هي العناصر الأساسية والفاعلة في التفاعل البشري الاجتماعي. وباعتبار أن الدراما التلفزيونية انعكاس لهذا التفاعل، لا بد من المساس بها في شكل أو آخر، والتعرض لها وتناولها بطريقة توجيهية في ما يتعلق بالدين والجنس، ونقدية ايجابية ترفع من شأن القرار المسؤول في ما يعني السياسة. نحن كعاملين في مجال الدراما عموماً نضع في حساباتنا دوماً كل الهيئات الرقابية في كل المحطات العربية، وعلى مختلف اتجاهاتها التوجيهية والسياسية. وهنا تكمن خطورة مهمتنا وصعوبتها، ولكي ننتشر علينا كمبدعين ومثقفين يحملون على كاهلهم تنوير مجتمع بكامله، أن نمرّ عبر هذه الهيئات الرقابية، من دون أن نصطدم بحاجز أو إشارة ممنوع. والحقيقة أن هناك حواجز وإشارات منع واهية، خصوصاً في عصر الفضائيات والانترنت تجعل منا أبواقاً مكتومة، أو تجبرنا على تجاوز مقولة أو فعل درامي سيرفع قطعاً من شأن الفكرة العامة، ويطوّر العمل شكلاً ومضموناً. لذلك، ويا للأسف، لا يمكن أن ننتظر تطور الدراما التلفزيونية في ظل هذه الرقابات المهيمنة والتي تفرض شروطها حتى على طريقة ظهور الممثل امام الكاميرا، وطريقة تأديته دوره أمام بطلة العمل. أما الحل، فهو بين أيدي من اختلق هذه المحرمات. أحمد السيد كاتب تلفزيوني وممثل. الرقابة حال متخلفة من حالات النظام السياسي، وخصوصاً في زمن أصبح التواصل بين العقول والمجتمعات والحالات الابداعية يتم بجهد لا يتجاوز كبسة زر. لم تعد أي رقابة في العالم قادرة على إغلاق أبواب المعرفة والاطلاع الا في حال واحدة: إذا وضع في كل بيت رقيب. وهذا مستحيل. وما تسميها محرّمات المجتمع، ليست كذلك في المجتمع المتفتح الذي يتطلّع الى مواكبة العصر، بل هي حالات يعيشها المجتمع ويمارسها. إذا تعرضتُ لها بطريقة تخدع مشاعره وكرامته وأخلاقه في ما يتعلق بالدين والجنس فسيلفظني المجتمع ولن يقبلني. إنما لو تعرضت لهاتين الحالين بطريقة تحافظ على نقائهما وأصولهما الأخلاقية الراقية، فسأكون حارساً لقيم مجتمعي وأخلاقه. وبالنسبة الى السياسة، يعود موضوعها أساساً الى طريقة تفاعل السلطة السياسية مع الحالات الابداعية واستجابتها الطروحات التي تتناولها. الدراما التلفزيونية هي أهم هذه الحالات وأخطرها لأنها ضيفة كل البيوت والشرائح والأجيال. والجميع يتفاعل معها على طريقته، وبحسب اتجاهه. لذلك عندما نتحدث عن التطور في الدراما التلفزيونية، ليس ما نعنيه السماح لنا كدراميين بانتهاك حرمات المجتمع والمساس بمعتقداته، لا وحاشا، فهذه أيضاً أخلاقنا ومعتقداتنا ولا نسمح لأحد بالمساس بها. إنما نريد السماح لنا بمعالجة الممارسات الخاطئة حفاظاً على القيم والأخلاق وصحة القرار السياسي. أنا ككاتب وفنان أعتبر نفسي شاهداً على زمن وحال اجتماعية وسياسية وُجِدتُ بها. وأريد أن أعبر عن وجهة نظري الثقافية والسياسية والفنية ليكون هدفي الأعلى الوقوف في وجه الممارسات الاجتماعية المغلوطة وفي وجه الممارسات السياسية في شكلها السلطوي، لأنها تقود المجتمع الى الخطأ والانهيار. وفي هذه الحالات لا أسمح لأي رقابة في العالم بأن تُملي علي شهادتي من وجهة نظرها المرتبطة بمصالحها. وفي الوقت نفسه لا أسمح لنفسي بأن أكون خصماً لمجرد الخصومة فقط أو لمجرد الدفاع عن أفكار لا تتطابق مع أخلاق مجتمعي وقيمه. إذاً من منطلق الوعي والتفتح والغيرة على مصالح الجماعة والوطن وبلغة حضارية لا يشوبها التحدي والمخاصمة، أوجه حالي الابداعية الى متلقيها. والعملية الابداعية حوار حضاري راق بين المبدع والمتلقي، والدراما التلفزيونية هي الأكثر انتشاراً والأكثر تفاعلاً بين هذين القطبين المبدع والمتلقي، ومن الجهل والتخلف أن يكون بينهما رقيب يفرض ما يجب أن يقال. أما إن وجد فهذا يعني ترسيخاً للتخلف والخطأ وصولاً الى الانهيار. الرقابة هي ما تكون منطلقة من ضمير المبدع المنتمي الى أفكار اخلاقية معاصرة. والمجتمع سيرفض كل من يخاطبه بلغة غير محترمة. وهذا أفضل عقاب لمن تسوّل له نفسه التعدّي على المحرمات. العالم مفتوح في العصر الراهن، حتى أمام طفل ما زال يتعلم الكلام. والممنوع في بلده سيراه بكبسة زر في بلد آخر، وحتى نتطور لا بد من أن نزيل خيوط العنكبوت من عقولنا. فنحن على أبواب الألفية الثالثة والعالم صار قرية صغيرة، ويستطيع أي فرد التجوال فيها في سهولة، وقسراً عن أي رقيب لم تتعد حدود تفكيره حدود جدران مكتبه.