أسدلت اقالة وزيرة الخارجية اليابانية السابقة ماكيكو تاناكا الستار على مسلسل طويل من المواجهة المثيرة للجدل بينها وبين بيروقراطيي الوزارة منذ تعيينها في هذا المنصب في نيسان ابريل الماضي. وأقيلت تاناكا من منصبها مع نائبها يوشيجي نوغامي بسبب خلاف بينهما عطل الاثنين الماضي مناقشات مهمة في البرلمان حول الموازنة. وشعر كويزومي، الذي يهدف الى تشريع موازنة اضافية للسنة الجارية وبدء نقاشات موازنة السنة المالية المقبلة، بأن المشكلات المتفاقمة في الوزارة اصبحت خارج نطاق السيطرة، فقرر التخلص من جميع اللاعبين بعدما استغلت أحزاب المعارضة هذه المعارك. والحلقة الاخيرة في مسلسل الخلافات نجمت عن منع الوزارة منظمة يابانية غير حكومية تسمى "رياح السلام" من المشاركة في مؤتمر اعادة بناء افغانستان نتيجة ضغوط نائب الحزب الديموقراطي الليبرالي الحاكم مونيو سوزوكي رئيس اللجنة التوجيهية في مجلس النواب، الذي استاء من انتقادات المنظمة للحكومة. وخلال مجريات مؤتمر افغانستان أثار الاعلام الياباني هذه القضية علناً في شكل احرج الحكومة ودشن مسلسل تبادل اتهامات بين تاناكا وسوزوكي. ووصلت الامور الى توجيه سوزوكي تهمة مباشرة لتاناكا بالكذب بحسب قولها والدموع تترقرق في عينيها امام الصحافيين اليابانيين. وأدت اقالة تاناكا التي تحظى بشعبية كبيرة الى هبوط اسعار الاسهم في طوكيو في اليوم التالي لاقالتها الى ارقام قياسية جديدة بسبب شكوك المستثمرين المتزايدة حيال آفاق الوضع السياسي الداخلي. وتاناكا هي ابنة رئيس الوزراء الراحل كاكوي تاناكا الذي استقال ثم دين عامي 1974 و1976 على التوالي بسبب تورطه في فضيحة مالية. وبما انه لعب دوراً كبيراً في معاهدة تطبيع العلاقات بين اليابان والصين عام 1972 اعتبر ان اسناد حقيبة الخارجية لابنته كان يهدف الى ترطيب الأجواء مع بكين. وانتخبت تاناكا في مجلس النواب اربع مرات. وهي تشتهر بتصريحاتها القوية والمحرجة، ومنها تعليقها ان على الفرنسيين اجراء تجاربهم النووية تحت باريس وليس في جنوب المحيط الهادي "طالما انهم يزعمون انها آمنة". وانتقدت بعض السياسيين بأوصاف مثل "هؤلاء الأغبياء". ولا تنتمي تاناكا الى اي كتلة في الحزب الديموقراطي الليبرالي الحاكم اذ بقيت دوماً مستقلة. وأسلوبها في الحياة والتجول في الشوارع يتسم بالبساطة والاهتمام بمشاكل المواطنين اليومية. كما ترتدي ملابس على طريقة ربات المنازل، ما أكسبها شعبية متميزة، إذ حظيت في اكثر من استطلاع للرأي العام بين اليابانيين بأعلى نسبة تأييد. وتاناكا 58 سنة أول امرأة في اليابان تتولى مركز وزير الخارجية، وكان تعيينها اكبر مفاجأة في تشكيلة حكومة كويزومي التي أعلنت في 26 نيسان ابريل الماضي. وكانت الوزارة تعاني من فضيحة اختلاس ضخمة من موازنتها السرية هزّت الحكومة وأثّرت في سمعة اليابان الديبلوماسية. وبدأت ماكيكو مسؤولياتها بشن هجوم على ما وصفته "معقل أشباه الآلهة" ضمن الوزارة وتعهدت اخراج القرارات الإدارية والديبلوماسية "من الستار الحديد الذي تمترس بيروقراطيو الوزارة خلفه على مرّ السنين". كما تحدّت في شكل مباشر أقطاب الوزارة وأعلنت تجميد النظام "شبه المقدس" المتبع لترقية الديبلوماسيين والسفراء "بحسب الدور". ومنذ تعيينها لم تتوقف الزوبعة التي سببتها هذه "السيدة الحديد" بسبب تصريحاتها المباشرة وأسلوبها "الحربي" في غربلة الوزارة. وعلى الصعيد الديبلوماسي "انتهكت" تاناكا ما يشبه المحرّمات في اليابان عندما لم تكتف بالاعتذار عن عدم مقابلة نائب وزير الخارجية الأميركي ريتشارد أرميتاج خلال زيارته لطوكيو في نيسان الماضي، بل "حاولت منعه" من مقابلة رئيس الوزراء كويزومي "نظراً الى عدم تكافؤ مراكزهما".