بدأت تأثيرات السبيل الذي سلكته محاكمة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش بالظهور في الأوساط السياسية في بلغراد، في الاتجاه المعاكس لما توخته الحكومة الصربية من تسليمه الى محكمة لاهاي، اذ اخذ ميزان القوى يشهد تحولاً ضد السلطات. وأثارت المجالات التي وفرتها المحاكمة لادانة الشعب الصربي كمسؤول رئيس عن الحوادث المأسوية في يوغوسلافيا السابقة غضباً واسعاً، اذ ان المزاج الشعبي الصربي يعتبر ان ما قام به الصرب في كرواتيا والبوسنة وكوسوفو لم يكن يتجاوز "حقهم المشروع في الدفاع عن النفس ضد الاعتداءات المحلية والاجنبية التي جرى تخطيطها ضدهم". وبدا واضحاً الغضب الشعبي من خلال التجمعات والطوابير التي اصطفت امام المراكز التي اقيمت في انحاء صربيا لجمع التواقيع المطالبة بالافراج عن ميلوشيفيتش، والتي توقعت وسائل الاعلام في بلغراد ان تتجاوز 200 ألف توقيع بنهاية الأسبوع الجاري، وان تتواصل كإحدى وسائل ادانة الذين سلموا ميلوشيفيتش. وسعى فريق الرئيس اليوغوسلافي فويسلاف كوشتونيتسا، الذي يخوض صراعاً عنيفاً على السلطة مع رئيس الحكومة الصربية زوران جينجيتش المدعوم اميركياً وأوروبياً الى توظيف عدم رضا غالبية الصرب لمصلحته، ودعا الى انتخابات مبكرة. وأكد بريدراغ سيميتش، احد اعضاء هذا الفريق، ان الرئيس كوشتونيتسا عارض تسليم ميلوشيفيتش "بعدما تأكد ان ذلك سيلحق ضرراً فادحاً الى حد الترويج بأن الصرب شعب عدواني". وأفاد سرجان بوغاشافيتش، مدير مؤسسة محايدة لاستطلاع الرأي في بلغراد، ان الشعب الصربي "يرفض اعتبار ميلوشيفيتش مجرم حرب". وأشار آخر استطلاعات الرأي العام الى ان اي انتخابات مقبلة ستلحق هزيمة بالسلطة الصربية الحالية، ما قد يؤدي الى محاكمة المسؤولين المباشرين فيها عن تسليم ميلوشيفيتش "لانتهاكهم الدستور وعدم التزامهم قرار المحكمة العليا الذي اكد وجوب عدم تسليمه من دون موافقة البرلمان اليوغوسلافي". وحاول رئيس الحكومة الصربية الذي تزعم عملية تسليم ميلوشيفيتش الدفاع عن نفسه أمام سيل الانتقادات الموجهة اليه حتى من فريق من الاحزاب المتحالفة معه، لكن قياديين في "الحزب الاشتراكي الصربي" الذي يتزعمه ميلوشيفيتش، ردوا على ذلك بأن "الأدلة الدامغة على جريمة جينجيتش، لا يمكن تبريرها مهما قدم من ذرائع". وأكدوا ان على جينجيتش ان يوافق على اجراء انتخابات مبكرة، قبل نهاية أيار مايو المقبل، والا فانه "سيواجه غضباً صربياً عارماً يرغمه على الاحتكام الى قرار الشعب".