نراه من الخلف. رأيه يميل إلى الناظر كأنْ فجأة. كأنّ صوتاً ناداه على حين غفلة. لا يبدو أنه كان منصرفاً إلى أمر مهمّ. وجهه المبقّع بالأخضر يشي بسمرة داكنة يزيدها أبيض القميص العمومي بروزاً. وفقط حين تنظر في عينيه الفارغتين، الجاحظتين قليلاً ترى أنه كهل وأنه مستوحش ومتبطّل. هذا الرجل، في اللوحة التي رسمها رضا قبل أشهر، يقضّ مضجعي. لست أعرف لماذا أستحضره هنا، بمناسبة عيد العشّاق... لكنه يلحّ عليّ باستمرار، وبات يسكن معي مع أن اللوحة ليست معلّقة في البيت. إنها في مرسم رضا في كلية الفنون. قصة غرام منقوصة جداً لرجلٍ كهل وغير جميل ولا أعرف عنه أو من راسمه شيئاً ولا اسأل رضا... لكن تلك الوحشة التي تجرّني دوماً إلى شوق الحديث الطويل إليه، لكن إلحاحه الدائم في مخيّلتي وعينيّ، واستحضاره المتكرّر بمناسبة ومن غير مناسبة يشبهان كثيراً بدايات قصص الغرام... وأجمل ما في قصص الغرام بداياتها... كما يردّد الجميع. ربما أحتمي ايضاً بهذه البدايات المؤبدة إذ أعرف ان ليس للرجل جسد... لكن كلّ من نحبّ هو - في البدايات - في لوحة ما نرسمها له ونحلم الاّ يغادرها أبداً... لا أدري. فقط أعرف أني ما زلت أرى الحياة في مكان آخر، أكثر حقيقية في الوهم وظلّه. ما زلت أرى أن الناس هم شخصيات وأشخاص في الوقت نفسه، وأن الأوّلين ما فتئوا أكثر غواية بكثير. كاتبة لبنانية