بعد تدمير برجي مركز التجارة الدولية في نيويورك وتوجيه ضربة قوية لمبنى وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون يوم الحادي عشر من شهر أيلول سبتمبر الماضي، والنتائج والصدمات وردود الأفعال السلوكية التي تتسم بالعنف، بدأت تتكشف وترسم نفسها بوضوح يوماً بعد آخر في الحياة اليومية لمعظم الناس في صورة عامة والشبيبة في صورة خاصة. طبول الحرب تغلبت على نداءات السلام، والرغبة العارمة في الانتقام يشعر بها المواطن الأوروبي في كل مكان، في مواقف الكثير من وسائل الإعلام والنخب المثقفة، والمؤسسات السلطوية التي تحث المواطنين على التعبئة من أجل نصرة ما يطلق عليه قضايا المصير المشترك!، وما على الإنسان الغربي الذي بدأ يجيد السمع، إلا ان يتقن أساليب التحصن من مخاطر العدو الذي ربما هو قريب منه هو في الغالب المهاجر القادم من بلدان العالم الثالث. دعوات الأحزاب والمنظمات اليمينية والفاشية تتعاظم للإسراع بالنظام الدفاعي المضاد للصواريخ، ومشاريع تسليح الفضاء، وحرب النجوم، وتصاحب هذه الدعوات، حث الإنسان الغربي الخائف للدفاع عن أمنه الداخلي من خلال الاعتماد على تحصين الذات وتدريبها. وتساهم وسائل الإعلام بمهمة تسييس وترويج عملية التعبئة في أوساط الشبيبة الأوروبية في شكل عام، في السعي لخلق ما يتشابه بالشخصيات الآلية المبرمجة التي ترسمها الصور الرقمية عبر أجهزة الكومبيوتر، من أجل هدف واحد هو تحقيق المكاسب المالية وفتح مصادر جديدة للربح. رسائل تحذير في صور ورسوم ملونة وأنيقة تصل الى بيوت الناس ومكاتبها، واعلانات تحملها الصحف والمجلات والكثير من القنوات التلفزيونية التجارية، تحذر من الكوارث القادمة اتساع في ثقب الأوزون، ظاهرة التصحر القادمة لأوروبا، تناقص مساحات الغابات، تلوث البيئة، الأخطار البيولوجية التي كثر الحديث عنها خلال الأيام الأخيرة والتي أصبحت أخطارها أمراً واقعاً في الحياة اليومية للناس اضافة الى تنبوءات مرعبة يمكن ان تتحقق بين لحظة وأخرى والتي لم يبق أمام الجنس البشري الغربي بالطبع الا الاعتماد على العلم والتكنولوجيا لدرئها والابتعاد عنها، فقد ولى زمن الآباء والأجداد هكذا، فالبشرية تسير نحو البربرية الجديدة كما ترسمه الكثير من أفلام الخيال العلمي الأميركية، والعالم ان لم يسيطر على التكنولوجيا ويجعلها في خدمة الإنسان، فإنه سائر في طريق تدمير الإنسان وهذا الكوكب. فالإنسان الغربي يسيطر الآن على القوى في عالمنا، لكنه لا يعرف إلا القليل عن نفسه، وان الآباء والأبناء يعيشون في عوالم مختلفة، بعكس آباءنا وأجدادنا الذين عاشوا في عالم لا يختلف كثيراً عن مجتمعات آبائهم وأجدادهم، الا ان عصرنا الحالي يشهد تدافع وسباق محموم من أجل الدخول اليه. غول دعائي الشباب من خريجي الجامعات والمعهد على رغم كونهم يتمتعون بدرجات معينة ومتفاوتة من الثقافة والتعليم، الا انهم فريسة الغول الدعائي الجديد الذي بدأ يغزو المدن والقرى وينذر الناس بالخروج بأقل الخسائر وأكثر المكاسب. نواد ومنظمات وجمعيات وشبكات تفتح أبوابها وأجهزتها التقنية الحديثة من أجل انتساب الأعضاء الجدد للدفاع المشروع! ضد أخطار الارهاب! المقبلة التي تأخذ شكل تحذيرات: - تضخيم الحد الأدنى من هذه الأخطار. - تصوير مكثف ومبالغ للإجراءات الوقائية. - كيفية اتباع البرامج والإرشادات للحصول على الوسائل الوقائية التي تؤمن السلامة. - الاعتماد على النفس لمواجهة ظواهر الطوارئ والأخطار نتيجة لأي عملية ارهابية. - رسم سيناريوهات للضربات المحتملة باعتبار ان الجميع في ساحة حرب... الخ. والنموذج الايطالي يعكس ردود الفعل القوية التي تمثلت بتشكيل عدد كبير من النوادي والجمعيات والمنظمات التي تهتم بضمانات السلامة الأمنية لمنتسبيها، والتي يجمعها سؤال واحد يتمحور على النحو التالي ماذا تفعل في حال الطوارئ من أجل انقاذ نفسك من الخطر؟. تدريبات تكاد هذه النوادي الجديدة تجمع على كيفية تعليم منتسبيها مواجهة الأخطار الطارئة مثل الانفجارات، الفيضانات، الأعمال الانتحارية، اندلاع البراكين، التعرض للسرقة، التعرض للاغتيال، مواجهة تبادل اطلاق النار بين طرفين، الحرائق، واستخدام مظلات الهبوط من الطائرة، تسلق الجبال، النزول من الطوابق العليا للأبنية بواسطة الحبال، الاختطاف، استلام رسائل وطرود مشتبه بحملها فيروس الانثراكس، انتشار المواد السامة في الجو... الخ. وترشد هذه النوادي والجمعيات وترسم الوصايا لمنتسبيها بأدق المواصفات في مجال الاستهلاك اليومي: ما هو نوع الحذاء المناسب للسفر في الباخرة أو الطائرة أو القطار أو السيارة، وما هو المناسب من الألبسة التي نرتديها أثناء العمل والعطل الأسبوعية، في تنقلنا في الحافلات والقطارات وأنفاق المترو، وما هي نوع الحقائب الملائمة للسفر والتنقلات الداخلية والخارجية، وما هو نوع وشكل وحجم خطواتنا أثناء مواجهتنا للحوادث، وكيف نتصرف ازاء مشاهد العنف، أو التظاهرات الجماهيرية ومواقع الاضرابات والتجمعات التي تقودها العناصر المشبوهة والفوضوية؟... الخ. وتشيع هذه الاتجاهات الثقافية الجديدة مظاهر الاستعلاء، وتركيز مبدأ البقاء للأقوى، والابتعاد عن الثوابت الاجتماعية التقليدية التي تنظر لفكرة الأسرة كوحدة أساسية للمجتمع بكونها دعامة رئيسية للسلوك، والابتعاد أيضاً عن فكرة التنوع الثقافي والحضاري، وتركز على ظاهرة العنف والعدائية في النفوس كوسيلة فاعلة للتكيف والبقاء. ويتخصص الكثير من الرجال الذين يتبعون توصيات عدد من الكتب والمجلات، في تدريب المنتسبين لهذه النوادي على النحو التالي: - في التجمعات الجماهيرية الصاخبة: يحدث ان يجد المرء نفسه وسط تجمعات جماهيرية احتجاجية صاخبة ولإنقاذ نفسه يفترض ان لا يضع يديه في جيبه ويظل متفرجاً، بل ان ينشر ذراعيه بقوة ويثبت جسده واقفاً ولا يحاول الانحناء، ويتدافع بكتفيه وظهره من أجل المقاومة. - في القطارات الخارجة عن الرقابة: في حال وجود الشخص في قطار أو مترو خارج الرقابة، فعليه ان يقذف بنفسه في أقرب فرصة مناسبة أثناء تخفيف السرعة أو الوقوف الى أقرب رصيف من خلال وضع قدميه بمساندة الركبتين وان تكون الذراعين مشبوكتين على الرقبة للحفاظ عليها من الكسر. - في وسط الحرائق: في حال وجود المرء وسط حرائق، فإن كل حركة هواء من شأنها خلق تحريك الحريق وزيادته بقوة وشدة، إذ يتطلب الأمر الحصول على منشفة يتم تبليلها بالماء للمساعدة في فتح شباك أو باب، والاضطجاع على الأرض لأن المناطق الأرضية المنخفضة تكون فيها نسبة من الهواء أكثر. - في السيارة تحت الماء: في حال سقوط المرء في المياه وهو داخل سيارته فعليه الإسراع بفتح ضوء السيارة لمعرفة الخيارات القليلة المطروحة لانقاذ نفسه، وإذا كان زجاج الأبواب غير قادر على الانفتاح فيجب الانتظار حتى يتعادل الضغط الداخلي مع الضغط الخارجي لفتح الباب. - في مصاعد الأبنية التي تتعرض لأضرار طارئة: من الضروري ان لا يكون أحد أعضاء الجسد خارجاً أو قريباً من الأرضية، ومن الضروري الابتعاد عن قاع المصعد من خلال التسلق الى الجهات العليا فيه. يقول لنا السيد اينسو ماولوشي أحد المشرفين على نادي جمعية أنقذ نفسك في حي سان لورينسو الذي يعتبر مركز التجمعات الشبابية اليسارية بمدينة روما: فلسفتنا تقوم على الكشف عن أشكال وأساليب التعامل مع المخاطر الجديدة التي تواجه الإنسان بواسطة أحدث وسائل التكنولوجيا المتقدمة، فالمفاتيح التي نسلمها لمنتسبينا تجعلهم أكثر كفاية واحترازاً في مواجهة المخاطر التي يواجهونها، ذلك اننا نمنحهم ضمانات ازاء احتمالات تعرضهم لمخاطر الاعتداء والارهاب، والحوادث التي تسببها الطبيعة والإنسان، وهناك أسباب تاريخية ونفسية جديدة ساعدتنا على تقدم معارفنا في صورة بارزة لتكون في خدمة منتسبينا نترجمها في شكل حلقات دراسية، ونستخدم من خلالها وسائل حية لتعليمهم الاستعدادات لدرء الأخطار عنهم. ان منتسبينا من الشباب يودون اكتساب معرفة الوسائل التي اقتضتها الظروف المستجدة في حياتنا الغربية، ضد عدو مقبل بإمكانه نشر الرعب بين الآمنين، ومهمتنا اعداد مناهج علمية! تعلمهم وتفسر لهم العلاقة بين الكائن الإنساني وعدوه المقبل. من هم الارهابيون سألناه: ومن هي باعتقادك القوى الارهابية المقبلة لتهديد سلامة أمن الناس هنا في بلدكم المسالم؟ أجاب: قوى التطرف الإسلامي التي تختبئ في صفوف المهاجرين وتتخذ من الدين ذريعة لتنفيذ مخططاتها العدوانية لزعزعة الأمن والنظام، المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية العالمية التي يتم مطاردتها حالياً في كل مكان، كذلك القوى الفوضوية واليسارية المتطرفة والمنظمات الشيوعية أمثال جماعات المراكز الاجتماعية، التي تعمل هي الأخرى وبالتنسيق مع قوى الظلام لارجاع هيمنتها بعد ان كنسها التاريخ في مزابله، اضافة الى عصابات الإجرام المنظم مثل الماسونية والمافيا والكومورا.