تملك إيران كل مبررات الرد اللفظي على الحملات الأميركية والإسرائيلية، لإدراكها أن التهديد والوعيد قد لا يبقيان مجرد سيف ضغوط لعزلها وانتزاع أوراق منها في المنطقة. في المقابل، لا يمكن الجزم بأن خوف العالم من بركان الغضب الأميركي على "الإرهاب"، سيرغم القيادة الإيرانية على تلقي أي ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية، وهي صاغرة. فالصمت في هذه الحال، أو الاكتفاء بالتلويح ب"بحر دماء"، يخنق النظام في طهران، ويحقق في رأي رفسنجاني وخامنئي على الأقل أهداف السياسة الجديدة للبيت الأبيض. وعلى رغم حرص واشنطن على نفي وجود خطط لاجتياح دول "محور الشر" الذي اختاره الرئيس جورج بوش هدفاً مثالياً لمنح حربه على "الإرهاب" زخماً جديداً، يعكس غضب مرشد الجمهورية الإسلامية ورفسنجاني والرئيس محمد خاتمي قلقاً جدياً من مغامرة إسرائيلية مماثلة لضرب مفاعل "تموز" العراقي النووي. لكنه لا يخفي أيضاً مرارة تعانيها طهران، إذ تشعر بأنها سقطت في فخ، وبدلاً من أن "تكافأ" على دورها الذي سمي الحياد الايجابي خلال بداية الحرب في أفغانستان، تلقت "صفعة" أميركية بادراجها على لائحة "محور الشر". ليست مجرد مفارقة دهشة الرئيس الإيراني السابق من تصنيف بوش لبلاده ضمن ذلك المحور "بعدما كانت هي التي تسمي الأميركيين الشيطان الأكبر"، لتصبح محاصرة عملياً بالوجود العسكري الأميركي في أفغانستان وبالأساطيل في الخليج، ولتخسر في أيام ما بنته خلال سنوات من نفوذ في آسيا الوسطى، لمصلحة تركيا، الحليف "المخلص" للولايات المتحدة. ولا يمكن إيران السعي إلى تحالف من نوع الزواج العرفي مع العراق، لأنها لا تثق بنيات بغداد، وكون علاقة كهذه تثير الشبهات بمقاييس الحرب الأميركية. من هنا يتبين كم هي مؤلمة لطهران الضغوط الهائلة التي تمارسها واشنطن وإسرائيل - شارون لانتزاع ورقة "حزب الله"، من خلال وصمه بالإرهاب واستضافة "الحرس الثوري" وعناصر من تنظيم "القاعدة". ولا يمكن إيران، وهي تحاول مواكبة المعادلات الجديدة، بالأحرى المعادلة الوحيدة التي تحاول إدارة بوش فرضها بالقوة، الاطمئنان إلى دعم تقدمه روسيا ثمناً لجزرة عقود التسلح، بعدما تنازل الكرملين حتى عن حديقته الخلفية، آسيا الوسطى، للقواعد الأميركية. أما صوته فالبكاد يُسمع وسط ضجيج الحرب "الكونية" على "الإرهاب"، ويبدو متخلفاً عشرات الخطوات وراء أصداء الاستياء الأوروبي من تفرد بوش بتقرير مصير العالم. في ظل هذه المعطيات، ستجد طهران ذاتها مرغمة على تجديد جلد الثورة وشعاراتها، لتتراجع إيران - خاتمي بعد سقوط شعار التطبيع مع واشنطن تحت ضربات الثأر الأميركي ل11 أيلول سبتمبر. وهو سقوط مدوٍ يُخشى أن تُفلح معه حملات الإثارة الإسرائيلية، والتحذيرات من الخطر الإيراني على دولة شارون، في تسديد ضربة قاضية لتيار خاتمي، ليصبح أول ضحية ل"القنبلة النووية" الإيرانية التي تؤرق الدولة العبرية. فطبول الحرب أفضل وصفة لتجديد شباب المتشددين، وهم ينتظرون هذه الفرصة منذ سنوات. ولكن ماذا عن مسرح الحرب؟ الجواب الإسرائيلي تحضير ل"جبهة ثانية" متهمة بها إيران في جنوبلبنان، فلا بد من طرفين، كما في أي مواجهة، ولا بد من ثمن.