منتصف ليل الأربعاء - الخميس توقف ارسال تلفزيون لبنان، بناء على قرار اتخذه مجلس الوزراء قبل اسبوع. وغادر رئىس الارسال جوزيف صلاح مقعده باكراً، هو الذي اعتاد الجلوس عليه نحو 30 سنة، ساعات تمتد حتى الفجر كانت تطول حتى الصباح ايام الحرب، ولا يدري هل يعود اليه بعد ثلاثة اشهر بعد ان تنتهي الحكومة من معاودة النظر في هيكلية التلفزيون. والقلق الذي يساور صلاح على المستقبل اصاب جميع موظفي تلفزيون لبنان والعاملين فيه قبل ساعات من اقفاله، وتفاوت بين موظف وآخر، وبين مبنى تلة الخياط ومبنى الحازمية، خصوصاً بعدما قصد وزير الاعلام غازي العريضي المبنى الأول منتصف النهار مبدداً لغطاً تناقلته الألسن عن مصير تعويضات الموظفين ومستحقاتهم، وضاعف القلق عدم دفع الرواتب المستحقة عن شباط فبراير، وكلام على ان الموظفين لا يحق لهم اعتباراً من اليوم دخول مبنى التلفزيون، فكيف يحصّلون حقوقهم؟ تجمع عشرات منهم في بهو مبنى تلة الخياط، يستمعون إلى العريضي الذي أعلن تفهمه هواجسهم. "أنا كنت مشرفاً على إذاعة اغلقت وأعرف ما تشعرون به، ونحن لا نتعامل بهذه البساطة مع قضيتكم... لم انم الليل منذ ثلاثة ايام"، فتعالت اصوات: "ونحن أيضاً". وراحت اسئلة تطرح هنا وهناك عن مصير التأمين الصحي والضمان الاجتماعي وعن الراتب وموعد دفع التعويضات، وكان الوزير حاسماً في اجابته: "لم آتِ الى هنا لأدخل في بازار، اعرف كم هي صعبة هذه الساعة عليكم وعليّ، وأعلم ان هناك من استفاد من التلفزيون ولم يكن احد يرى المشكلة ويضع المعالجات لها. ستنالون حقوقكم، واذا اردتم دفع اثنين في المئة الى النقابة من التعويضات فأنتم احرار". وصارح العريضي الموظفين بأن "العدد الذي سيعود الى التلفزيون بعد معاودة فتحه سيكون محصوراً، لكن الأولوية لكم"، مشدداً على الحاجة الى "مجموعة شباب وصبايا". ما اقلق من تخطوا عتبة الشباب، وراحت مذيعات الأخبار يستبعدن اعادتهن "لأنهم سيرغبون في وجوه جديدة". وكان عدد كبير من موظفي التلفزيون وقعوا عريضة، صباحاً، يعلنون فيها مبادرتهم لمواصلة تشغيل التلفزيون من دون رواتب، بعد الحصول على التعويضات، الى ان تعيد الدولة ترتيب أوضاعه الداخلية، ما لقي ترحيباً من العريضي الذي طلب مهلة لدرس المبادرة. لكن اعلان الوزير من تلة الخياط ان شعار تلفزيون لبنان سيبقى على شاشات الجمهور اللبناني، لم يصل الى مسامع الموظفين في الحازمية إلا عن طريق "شيف الطبخ" الذي ظهر على الشاشة لتقديم فقرته من تلة الخياط معلناً النبأ، ما زاد في عتبهم. وكانوا ملأوا واجهات المبنى بعشرات القصاصات، كتب عليها "لبنان حزين بفقد ذاكرته"، "لا لهجرة الأدمغة نعم لتشريد الكفاءات"، "تلفزيون لبنان ذبيحة من اجل الوطن"، "إدارة فشلت ونحن دفعنا الثمن" و"إعدام من دون محاكمة". لم يكن ثمة عمل يقوم به الموظفون في الحازمية، إذ توقف تصوير البرامج، لكن الجميع كانوا هناك. وحين وصل نقيبهم الياس ابو رزق الى مكتبه تدافعوا لمعرفة أي جديد، فوزعت عليهم ورقة تطلب منهم إضافة نصها الى كتاب صرفهم قبل توقيعه، تؤكد حقهم في المستحقات وسنداً الى العقد الجماعي. موظفو الحازمية بدوا اكثر حرصاً على دفع نسبة اثنين في المئة الى النقابة، من موظفي تلة الخياط الذين رأوا ان اقفال التلفزيون يعني عدم وجود مبرر لاستمرارها، في حين يؤكد الذين في الحازمية انها تستمر قانوناً لمدة سنة وهي المرجعية. الرواتب بدأت تُدفع بعد الظهر. وحمل الموظفون وهم يغادرون اشياءهم الخاصة تحت عيون رجال الأمن، وكان ثمة عمال ينقلون "دواليب" اليانصيب ولوحَهُ الخشب وجهاز سحب اللوتو الى شاحنة تحملها الى محطة تلفزيون "المستقبل" الخاصة، التي يملك معظم اسهمها رئىس الحكومة رفيق الحريري، ليجري السحب اعتباراً من اليوم على شاشة غير تلك التي اعتادها اللبنانيون. صباح اليوم ستزاول التلفزيونات الخاصة عملها من دون منافس رسمي لها، وتبقى امنيات وزير الاعلام ألاّ يعود من توافقوا على اقفال تلفزيون لبنان - بسبب "المحاصصة" - عن أقوالهم بعد تسعين يوماً.