حين انضم صالح طريف 48 عاماً النائب العربي عن حزب العمل الى حكومة شارون، قدم تسويغاً لهذا الانضمام كاد يبدو منطقياً: انه ليس من التيار الذي يؤيد انضمام الحزب الى الحكومة، ولكن، بما ان الحزب اقر بالأكثرية فكرة الانضمام، لم يعد امامه سوى الخضوع لقرار الحزب والالتحاق بالحكومة. بهذا بدا طريف "مضطراً" للإقدام على هذه الخطوة، أو أنه قبلها على مضض، فلو كان الأمر في يده هو فحسب من دون القرار الحزبي، لربما بقي خارج تلك الحكومة. لكن حزب العمل بطبيعة الحال لم يقرر انضمام عضو عربي الى الحكومة، ولأول مرة في تاريخ الحكومة الإسرائيلية، بل ان طريف نفسه سعى الى ذلك، عارفاً برغبة شارون بذلك، وتالياً بعدم ممانعة الحزب ما دام ان السيد طريف يريد الإقدام، وقد فعل. وفيما أثار فوز شارون الكاسح شعوراً بالمفاجأة. وإن لم تكن مفاجأة كاملة، فإن مسارعة حزب العمل للانضمام شكلت بدورها مفاجأة، ذلك ان شارون نفسه كان يرفض الانضمام الى حكومة باراك السابقة، وقد رفض لاحقاً باراك المنهزم كرئيس مرشح للحكومة الانضمام وزيراً تحت امرة شارون نتيجة الصراع الذي لم يتمكن من حسمه كما قال بين عقله وقلبه. أما السيد طريف فلم يواجه كما يبدو صراعاً يذكر بين مكونات نفسه، فدخل الحكومة وهو مغتبط منشرح الأسارير، من دون ان يفوت اعتبار المسألة، كاختراق تحقق على يده هو من دون سواه، والمقصود تسلم عربي حقيبة وزارية. بيد ان المفارقة الأولى تمثلت في انه لم يتقلد اية حقيبة اذ عهد إليه بوزارة دولة، وقد قبلها معلناً إخلاصه للدولة والسلام. الأحزاب العربية الممثلة في الكنيست، اعتبرت انه لا يمثل الجمهور او الوسط العربي بحسب التعبير الدارج، بل انه يمثل حزب العمل المهزوم على اكثر من صعيد: انتخابياً وسياسياً وإيديولوجياً. على ان طريف وهو لاعب سياسي محترف، سعى الى دغدغة جمهوره بالقول مثلاً: انه لو بقي خارج الحكومة الائتلافية، فماذا كان ذلك سيفيد؟ لكنه لم يجب عن سؤال الفائدة المتوخاة من الانضمام الى أسوأ حكومة إسرائيلية حتى الآن، حيث غالبية زملائه هم من مجرمي الحرب، وحيث البرنامج المعلن والجاري تطبيقه هو تقويض اتفاق السلام الانتقالي اوسلو وتدمير البنية التحتية للضفة الغربية وقطاع غزة ووقف التفاوض على الجولان السوري مع توسيع الاستيطان فيه. والذين كانوا وما زالوا يثقون بنضج الرجل، حتى بعد التحاقه بالحكومة، كانوا يراهنون ليس على صفقة ما بينه وبين شارون، فهذه لا محل لها ما دام ان حزب العمل نفسه لم يتمكن من فرض برنامج توفيقي على رئيس الحكومة. كان الظن انه سيستثمر وجوده في الحكومة، على رغم ان هذا الوجود غير مقبول وغير مبرر، من اجل القيام بتمرين سياسي: تكريس حق العرب في الوصول الى مقعد وزاري، ورفع صوت الأقلية القومية بالمساواة مع الإسرائيليين اليهود، وتحقيق السلام مع استغلال هذه السابقة، بالتسبب في "ضجة" سياسية تؤدي الى انسحابه واستقالته. وإذ رأى شارون وأعوانه المقربون في طريف ممثلاً للطائفة الدرزية، وعلى نحو أدق التيار التقليدي في الطائفة، فقد اثبت طريف في اول اختبار على هذا الصعيد، مدى صحة هذا الانطباع. فحين تحرك ممثلون للطائفة الى العاصمة الأردنية للقاء وليد جنبلاط لبحث سبل الحد من ظاهرة التجنيد الإجباري لأبناء الطائفة في الجيش، اعتبر طريف ان هذا السلوك يمثل تدخلاً في شؤون الطائفة وكأنما جنبلاط يمثل طائفة اخرى غير الدروز. وكان طريف اتهم الزعيم اللبناني بأنه يسعى الى شق صفوف الطائفة وتأليب بعضها على بعضها الآخر، وكأن الطائفة لا يجمعها جامع سوى الخدمة في الجيش الإسرائيلي، فإذا خضعت هذه المسألة للمراجعة، فإن عقد الطائفة يصبح مهدداً بالانفراط. وسبق لطريف ان خدم في هذا الجيش، وكان يسعه القول انه كان مضطراً لذلك، ولا ينصح غيره باتباع ما فعله. هذا الموقف السلبي من رفض التجنيد عزز صورته وموقعه في الحكومة، بعدما كان أداؤه يتسم في السابق ضمن الجهاز الحزبي، بالاعتدال والانضواء في صفوف الحمائم، لكنه لم يلبث ان بارح ذلك الموقع لدى انضمامه الى الحكومة، وبذلك وفّر لشارون فرصة الادعاء بأن حكومة كهذه هي وحدها تتسع لعربي في صفوفها. وواقع الحال ان عربياً كصالح طريف فقط أو الأعضاء العرب في الليكود، هم من يرتضون الانضمام الى مثل هذه التشكيلة الحكومية. وفي الحصيلة فإن كفاح الفلسطينيين في اسرائيل، للوصول الى منصب وزاري ولكل منصب عال، من باب المساواة وليس الاندماج كما يقول عزمي بشارة وإن كان من الصعب عملياً الفصل بين المسألتين. جرى توظيفه هذا الكفاح بأسوأ صوره ما اخرجه عن معناه. والطريف بعدئذ في امر صالح طريف، ان فضيحة تلقي رشوة أقلقت ضميره وأيقظته. فعمد الى الاستقالة ليثبت براءته، بينما لم تقض مضاجعه منذ البدء فضيحة سياسية هو بطلها. * كاتب أردني.