دخل المفتشون الدوليون امس بعد انتظار استمر بضع دقائق أحد القصور الرئاسية العراقية، في أول عملية تفتيش تستهدف مكاناً مثيراً للجدل. في غضون ذلك، لم يستبعد وزير الخارجية العراقي ناجي صبري احتمال الحرب، واعتبر ان سيل التهديدات الاميركية يهدف الى التشويش على أعمال فرق التفتيش، في حين حمل نائب رئيس الوزراء طارق عزيز على "الادعاءات الاميركية والبريطانية". بعد اسبوع واحد على بدء عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، توجه المفتشون صباح امس الى "قصر السجود" الرئاسي الذي يحتل مساحة نحو ستة كيلومترات مربعة في قلب بغداد، ويستضاف فيه عادة رؤساء الدول والزوار الكبار. وانتظر فريق التفتيش التابع للجنة التحقق والرصد والتفتيش انموفيك بضع دقائق أمام احدى بوابات القصر كي يسمح له بالدخول، وبدا كما لو ان حراس القصر حصلوا على موافقة رؤسائهم قبل ان يفتحوا البوابة. وفي الوقت الذي دخل فريق "انموفيك"، كان فريق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية برئاسة الفرنسي جاك بوت يدخل القصر من بوابة أخرى. وعندما أصبح المفتشون الذين يرافقهم ممثلو "دائرة الرقابة الوطنية العراقية" داخل القصر، أغلقت بواباته وعزل تماماً عن محيطه الخارجي، فيما بقي الصحافيون والمصورون في الخارج. واستغرقت عملية تفقد القصر نحو ساعتين، خرج بعدهما المفتشون وعادوا الى مقرهم في مبنى "فندق القناة" جنوب شرقي بغداد. وسبقهم في الخروج اللواء حسام محمد أمين رئيس الدائرة الذي رفض الإدلاء بأي تصريح. وتستعد فرق المفتشين لإقامة مقر ميداني دائم لعملياتها في مدينة الموصل الشمالية. وسيتزامن ذلك مع استخدام المروحيات الآتية من قبرص، القاعدة الخلفية للمفتشين، وتشكل تلك التحضيرات بداية مرحلة جديدة في عمليات التفتيش ستكون اكثر اتساعاً وشمولاً. الى ذلك، قال وزير الخارجية العراقي ناجي صبري ان القرار 1441 مليء بالثغرات التي تتيح لواشنطن فرصة شن حرب على بلاده. واعتبر ان الادارة الاميركية تتصرف على نحو "يتجاهل مجلس الأمن وميثاق الاممالمتحدة ويستهين بهما وبالقانون الدولي". وأضاف في تصريحات نشرت امس ان روسياوفرنسا والصين لم تقدم اي تطمينات للعراق في شأن عدم لجوء واشنطن الى عمل انفرادي من دون الرجوع الى مجلس الأمن، لكنها أصدرت بياناً عبرت فيه عن فهمها القرار 1441 باعتباره يستبعد أي لجوء تلقائي الى القوة، وان المجلس هو الذي يبت في تقارير لجنة "انموفيك" والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعن موقف الدول العربية من التهديدات الاميركية، قال صبري انها التزمت من خلال قرارات قمة بيروت الرفض المطلق لهذه التهديدات باعتبارها تهديداً للأمن القومي لكل الدول العربية. واضاف ان العرب "مطالبون باتخاذ الاجراءات والمواقف التي تصون كرامتهم واستقلال دولهم وسيادتها بوجه الهجمة الاستعمارية الصهيونية التي تستهدف الجميع". ورأى ان عمل لجان التفتيش "سيثبت بطلان المزاعم بوجود اسلحة محظورة، وسيوضح للعالم الأهداف العدوانية الاستعمارية الكامنة وراء الاتهامات الاميركية للعراق". وأعرب عن ارتياحه الى الموقف الأوروبي، خصوصاً موقفي فرنسا والمانيا اللذين يؤكدان أولوية العمل ضمن الأممالمتحدة وبموجب ميثاقها، ويرفضان الاستخدام المنفرد للقوة، مشيراً الى ان بيان حلف الاطلسي بعد قمة براغ لم يتضمن اي اشارة الى دعم أي عمل عسكري ضد بلاده. وندد الوزير بالتصريحات التي يطلقها المسؤولون الاميركيون، قائلاً انها تهدف الى "التشويش على أعمال اللجنة انموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية". وتابع صبري في مقابلة نشرتها صحيفة "الرافدين" الاسبوعية ان "الإدارة الاميركية لم تتوقف عن محاولة الاستخفاف بعمل المفتشين، حتى قبل ان يبدأ فضلاً عن التشكيك بإدارة لجنة انموفيك". وذكّر بتصريحات وزير الدفاع دونالد رامسفيلد قبل ايام، وقال ان هدفها "التشويش على أعمال اللجنة والوكالة وخلق المشاكل لهما والضغط عليهما". وزاد: "بداية عملية التفتيش كانت تشير الى التزامنا وحرصنا على مسيرة عمل المفتشين بما يؤدي الى التأكد من بطلان المزاعم والاتهامات والمغالطات التي يطلقها الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير". ودعا مجلس الأمن الى "التزام قراراته ورفع الحصار عن شعب العراق والذي يعتبر وصمة عار في جبين الأممالمتحدة، وبحسب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان معضلة اخلاقية للمنظمة الدولية". طارق عزيز يجدد التزام بغداد التعاون واكد نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز خلال استقباله وفداً برلمانياً كندياً برئاسة عضو البرلمان بيل كيسي، مسؤول الشؤون الخارجية في حزب المحافظين، ان "موقف العراق القائم على التعاون التام مع المفتشين، هدفه اثبات كذب الادعاءات الاميركية والبريطانية حول امتلاكه أسلحة دمار شامل". واعتبر ان "الإدارة الاميركية تختلق الذرائع والمبررات لشن عدوان" على بلاده، فيما اعرب كيسي عن أمله بأن "تساهم عودة المفتشين في حل كل المشاكل مع مجلس الأمن". واعرب رئيس المجلس الوطني البرلمان العراقي سعدون حمادي، خلال استقباله وفداً برلمانياً ايطالياً برئاسة السيناتور بيرو دسلونا، عن أمله بأن يكون عمل فرق التفتيش "نزيهاً ومهنياً، بعيداً عن ضغوط الإدارة الاميركية التي تحاول اختلاق الذرائع لشن عدوان جديد على العراق". ووصفت وكالة الانباء العراقية الرسمية امس الرئيس جورج بوش بأنه "شرير يحاول فرض قواعد مسخة للعلاقات الدولية" رداً على تأكيده ان الاشارات التي اعطتها بغداد "ليست مشجعة" لجهة احترام القرارات الدولية. وتابعت ان "الشرير بوش وضع العراق في خانة البلدان الخارجة على القانون لأنه يرفض الإقرار بمنطقتي الحظر الجوي اللتين فرضتهما الولاياتالمتحدة وبريطانيا من دون تفويض من الاممالمتحدة، وخارج صلاحيات مجلس الأمن وقراراته". الخبراء العرب وفي سياق اعداد جامعة الدول العربية لائحة بأسماء خبراء ذرة عرب، تعتزم عرضها على الأممالمتحدة لضمهم الى فرق التفتيش، أفاد بيان للهيئة العربية للطاقة الذرية مقرها تونس ان الأمين العام للجامعة عمرو موسى طلب من مديرها العام الدكتور محمود نصرالدين لبناني خلال لقائهما في القاهرة امس، ترشيح عدد من الخبراء العرب كي يشاركوا في تلك الفرق. واكدت مصادر مطلعة ان الجامعة ستعد لائحة الخبراء في غضون أربع وعشرين ساعة، وفي وضوء المشاورات بين موسى ونصرالدين.