احدى مشكلات الأمة العربية، أو مآسيها، هي ان الحكومات العربية "أفضل" من شعوبها. وفي حين ان النظام العراقي استثناء، أو هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة، فإن الحكم في كل بلد عربي يقال له "نظام" في حال عدم الرضا أكثر معرفة وأقل تطرّفاً من الشعب، أو هو يبدو "ليبرالياً" بالمقارنة مع شعبه. وفي هذا الوضع، فهناك غلطة متبادلة بيننا وبين الأميركيين. نحن نريد نقل "صورة صحيحة" عنا الى الخارج مع ان هذه الصورة تخلو من ديموقراطية وحقوق انسان وحكم قانون وشفافية ومحاسبة، مع تأييد للإرهاب، والأميركيون يريدون ان يخاطبوا "الانسان العربي" لأنهم يعتقدون ان التفاهم معه أسهل منه مع حكومته، في حين انه عادة متطرف من منطلق الجهل، والحكومة معتدلة من منطلق الخوف، أو القصور، أو التقصير. وعندي مثل من نوع المضحك المبكي، فقبل سنوات لجأ الى لندن معارض سعودي أقبلت عليه وسائل الاعلام كافة، وفاضت الكأس بما فيها، وسمعنا في مدح هذا المعارض وهجاء بلده أطروحات ومطولات. ومضى شهر آخر وسنة وسنتان، واكتشف الانكليز ان الرجل لم يفر الى الخارج لأنه ليبرالي يطالب بالديموقراطية وبحريات غربية، بل لأنه محافظ متحفظ يعتقد ان الحكومة السعودية متهاونة لا تنفذ حكم الشرع بحذافيره. وغاب الرجل وأخباره، ولم نعد نسمع عنه. غير انني أريد قبل ان أكمل ان أنبه القارئ الى انني لا أمتدح هنا أي حكومة عربية أو حكم أو نظام، فالمدح بحاجة الى خيال شعراء، لا قلم معلّق سياسي. وما أفعل هو ان أنتقد المعارضة العربية، كل معارضة مستثنياً المعارضة العراقية، لأنها أفضل من نظام صدام حسين. المعارضة العراقية ليست موضوع هذه السطور، وإنما المعارضة في البحرين، فقد وجدتها صعبة دائماً، وعندما كان بعض رموزها في لندن اختلفت معهم، بسبب ما اعتبرته تطرّفاً أو تشنّجاً، مع ثقل دم مستحكم. لن أرتكب خطأ المعارضة البحرينية فأدّعي انني وحدي على صواب، لأن سبب الخلاف الأساسي لي مع من عرفت من رجالها كان اصرارهم على رأيهم ولا رأي غيره. لست على هذا اليقين من رأيي أو أي رأي آخر، ولكن أقول ان الملك حمد بن عيسى أطلق مشروعاً إصلاحياً طموحاً، من عناصره الافراج عن جميع الموقوفين والسجناء في قضايا سياسية، حتى انه لا يوجد في البحرين اليوم سجين سياسي واحد، وقيام سلطة قضائية مستقلة، ومحكمة دستورية، ومجلس وطني من نواب وشورى. ماذا فعلت المعارضة العائدة؟ تظاهرت ورفعت شعارات مرفوضة، مستفيدة من الغاء قانون أمن الدولة، فلم يعتقل متظاهر واحد، بل لم تحاول الشرطة مرافقة التظاهرات، ناهيك عن منعها. افترض ان عند المعارضة البحرينية نقطة خلافية مشروعة مع الحكومة، لأن ميثاق العمل الوطني لم يتضمن صلاحيات تشريعية لمجلس النواب. غير ان المطالبة تكون عبر قنوات معروفة وفي مجالس متفق عليها، وليس في الشارع وبأسلوب يجمع بين النزق وقلّة الأدب، مع استخفاف بما تحقق حتى الآن الى درجة تعريضه لنكسة محتملة. ليس سراً ان المشروع الاصلاحي في البحرين استقبل بقلق أو تحفظ في بعض المنطقة والخارج، الا ان الملك أصرّ على المضي في طريق الاصلاح على رغم المحاذير، والنتيجة ان المعارضة البحرينية أساءت استغلال الحريات الجديدة بما يهددها، لا في البحرين وحدها، بل في كل بلد مشابه يفكر في اصلاح مماثل، ثم يرى ما تواجه البحرين ويختار ان يبقى كما هو. في يوم القدس رُفعت أعلام "حزب الله" وهُتف لآية الله الخميني وآية الله خامنئي. وأنا مع "حزب الله" كحركة تحرر وطني، ومع أفضل علاقات ممكنة بين ايران والبلدان العربية كافة، الا انني فهمت من التظاهرات ان المعارضة البحرينية، أو بعضها على الأقل، يطوي نفسه على ولاء لغير بلده، ما يعني ان هؤلاء الناس يؤذون العلاقة مع البلد الذي يناصرونه. ثم جاءت قضية العقيد السابق عادل فليفل، ووجدنا المعارضة البحرينية مرة اخرى تجعل من موضوعه كلمة حق يراد بها باطل، فالتظاهرات تجاوزت الرجل وقضيته الى هتافات مرفوضة من ناس لا يدينون بالولاء لوطنهم. واستغلت قضية الضابط، كما استغلت قبل ذلك القدس لدعم طلب سياسي محلي معروف. أنا أؤيد المعارضة البحرينية في طلب ان يكون لمجلس النواب صلاحيات تشريعية، الاّ انني أعارضها في أسلوب التظاهر ضد الاصلاح نفسه، وأعود بها الى شكواي القديمة منها، فلا يوجد طرف عنده امتياز الصواب أو الحق، وقانون العفو العام لا يستحق اسمه اذا لم يشمل جميع الناس، فهو لا يمكن ان يقتصر على المعارضة ويستثني خصومها في وضع استثنائي. ذلك الوضع مضى، ولو ان المعارضة البحرينية أنصفت نفسها والحكم والمنطقة، لتوقفت عن العيش في الماضي، ولنظرت الى المستقبل، والى بناء مجتمع جديد قائم على العدل والمساواة والحرية للجميع. جهاد الخازن