قبل نحو عشرة أعوام، ارتبطت نوادٍ عدة في ذهن العامة من المصريين على أنها نوادي أبناء الصفوة، وكان "نادي الصيد" و"الجزيرة" و"المعادي" و"هليوبوليس" عناوين المستوى الاجتماعي العالي للمشتركين وأبنائهم. وبنظرة خاطفة على ابواب تلك النوادي مساء الخميس من كل أسبوع تصادفك أفخر أنواع السيارات، وأغلى الروائح، ناهيك عن آخر موضات ملابس الشباب. لكن الوضع تغير الآن، واستبدل ابناء الصفوة التجمع في النوادي الراقية بالتجمع في المقاهي!! وكانت نظرة المجتمع تفرّق بين شباب النوادي وشباب المقاهي، لذلك بدا شباب المقاهي الشعبية في نظر الكثيرين مجموعة من المهمشين أو الحرفيين أو ممن لا عمل لهم ولا حرفة، وفي هذا المفهوم لم يكن غريباً أن تشاهد سيارات الشرطة وهي تقف أمام كل مقهى شعبي فترة من الوقت للتأكد من هوية رواده، خصوصاً الشباب منهم. ومنعت السلطات بعض هذه المقاهي من فتح أبوابها بعد الحادية عشرة مساء، وكلفت أقسام الشرطة عدداً من المخبرين للمرور على مقاه بعينها وتسجيل أسماء روادها الجدد وعناوينهم. لكن الأمور تغيرت وبدأ رجال الشرطة في التفكير أكثر من مرة قبل "الهجوم" على أي مقهى، إذ انهم سقطوا أخيراً في أكثر من مطب، عندما لم يستطع المخبرون وأكثرهم من غير المتعلمين التعامل مع مجموعة من أبناء العائلات بما يختلف عن معاملتهم الحرفيين والمتسكعين، ما سبب مشكلات على مستوى عالٍ، في حين لا يوجد قانون صريح يمنع الجلوس في مقهى. لذلك استطاع رجل الشارع خلال العامين الماضيين أن يطلق على مجموعة من المقاهي مصطلح "مقاهي ولاد الناس" وهي انتشرت في معظم أحياء القاهرة، وتركزت في ضاحية المعادي ومناطق مدينة نصر ومصر الجديدة، إضافة الى مناطق الهرم وشارع الملك فيصل، وظهرت أسماء مثل "الممالك والافرانكا والبوادي ووادي الملوك" وكلها مقاهٍ رفيعة المستوى، لها مناخ المقاهي الشعبية، مع أن كلفة ارتيادها تفوق كلفة أغلى مقهى شعبي في احياء السيدة زينب أو الحلمية من أحياء القاهرة الشعبية. عمار نصر الدين 19 سنة قال ل"الحياة": "مللنا النادي ورغبنا في التجديد لأن معظمنا تربى في ناديه، ولم يحدث أن وجدنا مناخاً متجدداً، لذلك حاولنا الخروج والبحث عن ضالتنا خارج جدران النادي". ويتابع: "تجمعنا في المقهى بدءاً من السنة قبل الماضية، وهي السنة الأولى لالتحاقي في الجامعة الاميركية في وسط القاهرة، ووجدت أن معظم زملائي يخرجون لتدخين الشيشة ولعب الكوتشينة في مقهى مجاور لسور الجامعة. وشيئاً فشيئاً، خرجت معهم، وصار تجمعنا يومياً، حتى في أيام الاجازة". أما كريم راشد فيقول: "جدران النادي تشبه إلى حد ما جدران المنزل، والممنوع داخل النادي أكثر من المسموح، لعب الكوتشينة ممنوع، تدخين الشيشة ممنوع، الضحك بصوت عال هو الآخر ممنوع، إضافة إلى أن السهر ممنوع، لكن كل هذا مباح في المقهى". فيما يؤكد أحمد صبح: "ان المقهى هو مكان التجمع الأكثر مرونة مقارنة بالنادي الذي يقتصر التجمع في داخله على الأعضاء". أما في المناطق الشعبية فتعتبر أشهر المقاهي التي يرتادها ابناء الصفوة باستمرار "قهوة حوكة" في ضاحية الدقي جنوبالقاهرة، ربما لأنها قريبة من ضاحية المهندسين، ومن نادي الصيد المصنف ثاني أكبر ناد من نوادي "أولاد الناس"، فإن اجتماع المدللين من الشباب في هذا المقهى لا يبدو غريباً، ولا يبدو مدهشاً أن يُدخل هؤلاء الى المقهى لعبة "البريدج" التي لم يكن يسمع بها أبناء المناطق الشعبية، بعد أن كانت مقتصرة على صالة الليدو في نادي "الجزيرة" وصالة البريدج في "نادي الصيد". ويقول رامي الصغير: "أصبحت صالة البريدج في نادي الصيد مزدحمة بالكثيرين، وحتى تجد مكاناً، لاپبد من أن تذهب قبل السادسة مساء، وهو وقت ليس مناسباً للكثيرين منا، أما يوم الخميس، فلن تجد في "البريدج" مكاناً بعد الرابعة عصراً، الوقت الذي لا يمكن أن يناسب تجمعنا، لكن عند "حوكة" يمكن أن تذهب في أي وقت وتجد ترحيباً وبعد الحادية عشرة ليلاً نجلس في الشارع الى طاولات أعدت خصيصاً لنا". ويشير سامح فوزي إلى سبب آخر، يقول: "سياسة النوادي في الفترة الأخيرة شهدت كثيراً من التعنت والتضييق على الأعضاء الشباب، ففي نادي "الجزيرة" ممنوع لعب الكوتشينة خارج "الليدو"، ومنذ فترة اصبحت الكوتشينة ممنوعة ضمناً حتى داخل "الليدو"، وفي "نادي الصيد" بات لعب الورق مراقباً من ضابط الأمن، ما يسبب المشاحنات بيننا وبينهم". ولفت فوزي إلى أن إدارات النوادي تود الظهور أمام أجهزة الإعلام والصحافة أكثر انضباطاً، خصوصاً بعد أن اشيع عن شباب مجموعة من النوادي تعاطيهم المخدرات داخل جدران نواديهم. ومع أن ظاهرة تعاطي المخدرات ليست موجودة داخل النوادي كما تحاول أن تؤكد الصحافة، لم يجد مسؤولو النوادي إلا أن يزيدوا في الضغوط والقوانين، رغبة في عدم تشنيع الصحافة بهم، ما انعكس على قوانينهم تجاه الكوتشينة والشيشة وربما ملابس بعض المراهقين وزاد من الضيق العام والرغبة في الابتعاد بقدر الإمكان عن الوجود في النوادي. وقال حسين ثابت 21 سنة ل"الحياة": "إدارات النوادي بدت كأنها كسبت الإعلام وخسرت أعضاءها، ولم يعد يرتاد النوادي إلا البنات والمراهقون الأصغر سناً". أحد مسؤولي الأمن المناوبين في نادي الجزيرة قال ل"الحياة": "نحن مسؤولون فقط عما يحدث داخل جدران النادي من تجاوزات، لذلك فكل التشريعات التي تضعها الإدارة تهدف إلى الحفاظ على سمعة النادي وأعضائه، ولنا خبرات طويلة تتيح لنا التصرف بحكمة". وعن انصراف الأعضاء الشباب الى المقاهي قال: "لا يمكن أحداً أن يقنعني بأن انصراف الأعضاء عن ارتياد النادي جاء بعد منع الإدارة لعب الكوتشينة، وأعتقد أن سياسة النادي الانضباطية هي التي صرفت كثيرين من صناع المشكلات من الشباب والمراهقين عن التواصل مع بقية اقرانهم الأكثر التزاماً داخل النادي". وأكد مسؤول الأمن أن معظم رواد المقاهي من أعضاء النادي شبان وهم أولئك الذين يريدون أن يشيعوا الفوضى داخل أسواره من دون رابط أو ضابط، وفي ما يتعلق بمسألة لعب الورق الكوتشينة فنحن بالفعل وضعنا بعض الضوابط الخاصة بعد نشوب مشاحنات ومعارك ضارية بين الشباب بسبب الخلافات على لعب الورق، أما إغلاق النادي أبوابه في الواحدة صباحاً فهو رسالة منا الى الشباب بأن العودة بعد الواحدة صباحاً الى المنازل ليست شيمة أولاد الناس، إنما هو مضمون ينعكس على السلوكيات وطريقة التعامل مع الآخرين.