لعب تاجر "الروبابيكيا" أو الادوات المستهلكة دوراً كبيراً في تأمين احتياجات قطاع عريض من الفئات الفقيرة وحتى المتوسطة في المجتمع المصري التي اتجهت اليه نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة مقابل تدني متوسطات الأجور. وتشكل اسواق "الكانتو" او "المستعمل" كما يطلق عليها المصريون وسيطاً بين تجار "الروبابيكيا" ومستهلكيها حيث يتجمع في هذه الاسواق أسبوعياً حصاد تجوال التاجر من السلع، وهو يعمل غالباً لحسابه كبائع متجول وتاجر في أسواق "القديم" في الوقت نفسه. وأحياناً أخرى ك"سريح" مهمته تجميع السلع القديمة وبيعها لتاجر آخر متخصص في السوق، او كأجير يشتغل لمصلحة الغير في التجوال والشراء في مقابل اجر يومي محدد وكأن المركزية ابت ان تترك حتى العوالم الهامشية المستنفزة والمستهلكة من دون ان تتسرب اليها. والمعروف ان تجارة "الروبابيكيا" مهنة عائلية يتوارثها الابناء عن الآباء وتصبح مصدر رزقهم الوحيد ولا يمتهنون سواها. ولولا تاجر "الروبابيكيا" لغرقت البيوت في تلال المهملات، فالحال ذاتها داخل كل منزل مصري، جميع الفراغات مشغولة إن لم يكن بالأثاث الضروري وغير الضروري. فبتذكارات تعود لعشرات الاعوام هذه عدسة مكبرة تخص خال الام، وتلك ساعة خربة لجد الأب اضافة الى مجموعة متباينة الاحجام من المذاييع القديمة والحديثة وبعض الملابس الفائضة عن الحاجة. وهذا التكدس ليس وليد اهمال بل مرجعه الوجدانية الشديدة للفرد المصري الذي يرتبط بأشيائه ويأبى التفريط فيها على رغم هلاكها لأنها تجسيد للذكرى ورمز من رموز التاريخ الحميم، حتى أن الجدة "فردوس" تفضل ان يزدحم منزلها بحاجات عديمة الفائدة - من وجهة نظر الآخرين - على ان تفرط في مقتنياتها لبائع يمنحها بدوره لاغراب لا يدركون قيمتها المعنوية ويسيئون استخدامها. وهذه الوجدانية المحمودة لا تخلو من دلالتها السلبية، اذ تشي بأحادية النظرة المصرية ومقاومة رياح التغيير والتطور والقناعة بما في اليد من دون سعي للافضل. الا انه مع خفوت حدة هذه الصفة في الاجيال الجديدة الميالة للتخفف اولاً بأول من فوائضها بالتخلص لا البيع نذير مبكر باختفاء بائع "الروبابيكيا" قريباً من المشهد المصري مع بقاء اسواق الكانتو كأسواق صديقة للفقراء على حالها وزيادة مساهمة عمليات فرز القمامة والسرقة في معروضها من السلع مستقبلاً. خالد بائع في أحد اسواق المستعمل في القاهرة يقول "نصيب وافر من بضائع السوق ادوات منزلية، ملابس، لعب اطفال، لوازم ديكور مصدره قمامة الاحياء الراقية التي يتخلص سكانها خصوصاً الاجانب منهم الذين على وشك الرحيل من سلع جديدة وجيدة يعاد طرحها للاستخدام عبر السوق هنا". اما محمد 41 سنة فلم يمنعه جمود بعض زبائنه عن مجاراة روح العصر والمتاجرة في احدث الادوات التكنولوجية فنراه يحمل على عربته جهاز كومبيوتر قديماً حصل عليه من مكتب للمحاسبة بسعر مرتفع نسبياً سيعوضه المكسب المنتظر من بيع الجهاز كقطع غيار للمستهلكين. وبلا قصد منه اثار تاجر "الروبابيكيا" داخلي تساؤلاً عن ضوابط تلفزة الاعمال الادبية عندما تذكرت شخصية عبدالغفور البرعي رجل الاعمال الثري في رواية احسان عبدالقدوس "لن أعيش في جلباب أبي" وكيف اغتنى من عمله في تجارة الخردة و"الروبابيكيا" ومرة اخرى عندما اشتريت رواية "زينب والعرش" لفتحي غانم - بسعر جنيه مصري - من سوق قاهري للمستعمل اثناء بحثي في موضوعنا هذا، وكلتا الروايتان تحولتا مسلسلات تلفزيونية تختلف في تفاصيلها عن النصوص الأصلية. بقي القول إن كلمة "روبابيكيا" ليست عربية وانما هي من الكلمات المعربة التي دخلت اللغة العربية متأثرة بالغزوات، وهي من اصل ايطالي وتعني الملابس القديمة، "روبا" معناها ملابس و"بيكيا" تعني القديم، واتسع معنى الكلمة في الاستخدام شيئاً فشيئاً، حتى صارت تدل إلى كل الاشياء القديمة عموماً.