تشتهر مصر بأسواق يباع فيها كل ما هو مستعمل وتسمى "الكانتو". وزبائن هذه الأسواق من كل الطبقات. فالفقراء يجدون فيها مطالبهم أساساً. أما الميسورون فيجدون فيها ملاذهم عندما يعجز سوق الجديد لسبب أو لآخر عن توفير ما يحتاجون. وفي السنوات الأخيرة عجّت أسواق "الكانتو" بملابس مستعملة وأدوات اخرى جاءت من خارج مصر، يمكن تسميتها ب"خَرْج الدول". ثم ما لبثت تلك الأسواق أن انتقلت من مجال السلع الى مجال الاستهلاك الديموقراطي للشارع السياسي. فبعد الانتخابات الإيرانية الاخيرة كان على سوق "الكانتو" أن يستوعب خَرْج البيت الإيراني منذ زمن الثورة الخمينية وفتوى قتل سلمان رشدي. فكان السوق المصري خير من استوعب "خَرْج" السياسات الايرانية. وجدت السلعة زبائن عدة ومن كل الطبقات ايضاً. فأثرياء توظيف الأموال الإسلامية وحملة المباخر ورجال الدين المتطرفون وسياسيوهم وجدوها فرصة تعوضهم عن خسائرهم المستمرة في السنوات الاخيرة، بعد نجاح الدولة في استئصال عنفهم المسلح. أما فقراء مصر فقد وجدوها فرصة لأن يلبسوا ثياباً جديدة، لم يتعودوا عليها منذ السبعينات تقريباً، زمن آخر التظاهرات الجادة، تمكنهم من الحضور السياسي المحرومين منه منذ زمن، وأن يقولوا كلمة حتى ولو لم يكن لها معنى، يناطحون بها أقرانهم أيضاً الذين تظاهروا في سياتل ودافوس ولندن ضد عولمة السوق. كانت القراءة المغلوطة لرواية "وليمة لأعشاب البحر" لكاتبها السوري حيدر حيدر فرصة ليخرج الجميع الى السوق في زمن "الروبابيكيا". وانتشرت عدوى "الكانتو" الى بيوت الله حيث وجد أدعياء الدين مادة جديدة بعد أن ملّت آذان المريدين من قضايا قديمة من اسواق اكثر قدماً استهلكت ولم تعد تُشبع من جوع. وقريباً، لم يكن هذا حدث فعلاً سيرفع بعضهم دعوى حسبة لينتعش سوق الصحف ويجتمع نواب البرلمان ليقرأوا رواية ربما للمرة الأولى في حياتهم. أما في مجال النشر فمرحى بسوق سوداء لكتاب جديد / قديم على قائمة الممنوعات يتداول بسعر باهظ. أما وزارة الثقافة الموكل اليها تثقيف الشعب فقد وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه ينطبق عليها المثل الشعبي "طباخ السم يذوقه"، فها هي تحصد ما جنته يداها من تثقيف آتى أُكلَه مع أول اختبار، ومع ذلك فإن المتوقع هو أن تشدد رقابتها حتى لا يفلت الى الشارع الثقافي عمل آخر على غرار رواية "وليمة لأعشاب البحر". * كاتب مصري.