على رغم عدم وقوع مواجهات عرقية واسعة في منطقةالبلقان، فإن المخاوف من تجدد العنف الشديد ظلت مخيمة على المنطقة، نتيجة استمرار الحوادث العدائية وفقدان الثقة الشعبية بالسلطات ورسوخ المشاعر بأن الضغوط السياسية والعسكرية الدولية اوقفت القتال ولكنها لم تحقق الاستقرار والسلام. ففي البوسنة، اخفقت الجهود الغربية في ازاحة التنظيمات القومية عن السلطة، اذ حققت الاحزاب: العمل الديموقراطي - الاسلامي والديموقراطي الصربي والاتحاد الديموقراطي الكرواتي، كل في تجمعاته العرقية، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي اجريت في تشرين الاول اكتوبر الماضي، افضل النتائج التي حصلت عليها منذ ابرام اتفاق "دايتون" لوقف الحرب نهاية 1995. وأجمعت الآراء المحلية والدولية على ان الضغوط الاميركية على المواطنين والممارسات القمعية لقوات حلف شمال الاطلسي سفور المنتشرة في الجمهورية وتردي الأوضاع المعيشية والمماطلة في حل مشكلة النازحين واللاجئين بسبب الحرب، وعدم توافر اي نتيجة ايجابية دولية لتنظيم الدولة البوسنية على اسس دائمية انطلاقاً من رغبات سكانها، كلها اسباب لا تزال تحول دون عودة وحدة البوسنة - الهرسك وتبقي خطر استئناف القتال والانهيار الكامل للجمهورية محدقاً. وفي كوسوفو، سادت الفوضى، ما جعل القناعة تترسخ بأن الوعود الغربية لتحقيق السلام من خلال اخراج القوات الصربية وانتشار اكثر من 30 ألف جندي اطلسي وشرطي دولي في قوات كفور لم توفر اي نتيجة ايجابية. وعلى رغم مرور ثلاث سنوات ونصف السنة على وضع الاقليم تحت الاشراف الدولي، المدني والأمني، فإن العام المنصرم شهد موجة متواصلة من حوادث الانفجارات والاعتداءات والاغتيالات سواء بين الاطراف الألبانية المتنافسة. كما لا تزال الشكوك تحوم حول مهمة الوجود الدولي، خصوصاً ما يتعلق بالحفاظ على الشكل الاثني للاقليم، حيث تمكن هذا الوجود من اعادة نحو نصف مليون نازح ألباني في مقدونيا وألبانيا الى كوسوفو خلال اسبوعين، بينما لم يبد المسؤولون الدوليون رغبة صادقة في مساعدة حوالى 150 ألف نازح صربي وغجري ارغمهم الألبان منذ انسحاب القوات الصربية على الفرار، بالعودة الى ديارهم في الاقليم. ويمكن اعتبار نتائج الانتخابات المحلية في كوسوفو التي اجريت في تشرين الاول اكتوبر الماضي والتي فاز المعتدلون من انصار روغوفا فيها، الحال الايجابية الوحيدة التي شهدها الاقليم. وفي مقدونيا، ظل الوضع متوتراً بين العرقيين المقدونيين والألبان، واستمرت حوادث العنف المتفرقة، على رغم التغيير الحكومي نتيجة الانتخابات ومشاركة المقاتلين من انصار علي احمدي في السلطة ولا تزال المؤشرات الى عودة الصراع قائمة، ذلك ان القوات الاطلسية الموجودة في مقدونيا اتخذت مهمة الفصل بين المناطق المقدونية والألبانية، وليس متطلبات حل المشكلة وإعادة الاوضاع الطبيعية. وفي صربيا والجبل الاسود يوغوسلافيا فإن الوضع السياسي اتسم بالتوتر في وقت تراجعت ثقة المواطنين بالمسؤولين عموماً، نتيجة عدم تحقيق السياسيين لوعودهم بحل مشكلات المواطنين، وارتباطاتهم الخارجية واستمرار تردي الاوضاع الاقتصادية وازدياد البطالة، وبقاء مسألة الاتحاد بين صربيا والجبل الاسود معلقة، ما وفر المناخ الملائم لازدياد التأييد الشعبي للقوميين المتطرفين، وظهر ذلك جلياً في فشل الانتخابات الرئاسية في كل من صربيا والجبل الاسود وبقاء الجمهوريتين لوقت غير معلوم من دون رئىس منتخب، وهو ما جرى تفسيره بأنه دليل على استياء المواطنين ورد فعلهم تجاه الاوضاع الراهنة. واللافت ان محاكمة الرئيس السابق سلوبودان ميلوشيفيتش جاءت بنتائج معاكسة لما اراده منظمو المحاكمة في لاهاي ومؤيدوهم الغربيون، حيث زادت من رصيد ميلوشيفيتش لدى الصرب، وأعادت اعتباره حتى لدى الكثير ممن كانت لهم تحفظات تجاهه اثناء وجوده في السلطة. وعموماً، فإن الاوضاع لا تزال غير مستقرة في كل الدول البلقانية، بما فيها كرواتيا وألبانيا وبلغاريا، اذ تزايدت المصاعب الاقتصادية والبطالة عن العمل وتنظيمات المافيا وممارسات الجريمة المنظمة وعمليات التهريب وتزوير العملات الاوروبية والاميركية وتجارة الرقيق الابيض، وان تراجع اهتمام الاعلام العالمي بالمنطقة فقط بسبب وجود اماكن اخرى اكثر سخونة منها خلال العام المنصرم 2002.