عيدا الميلاد ورأس السنة يُفترض أنهما وقت للتأمل في الأوجه الروحية لحياتنا. يقال انهما وقت للتفكير. فاذا صح هذا فهو بالتأكيد لا ينطبق على تجربتي. بالنسبة لي، عيدا الميلاد ورأس السنة اكثر الاوقات إنهاكاً واستدعاءً للتوتر خلال العام. انهما أشبه بلائحة لا تنتهي من الهدايا التي ينبغي شراؤها، وبتمرين مُجهد لذهني إذ أطالبه بأن يأتي بما لا حصر له من أفكار جديدة وأصيلة في خصوص اختيارها. "فالهدايا التي تُعرض في واجهات المخازن شبيهة جداً بتلك التي تم شراؤها العام الماضي": هكذا يحذّرني عقلي فيما أكون أهرع، بين موعدين، للوصول الى مخزن "يوجد فيه كل ما تحتاجه". أسوأ من هذا أنني ما أن أفكر بأنني أحضرت هدايا جذّابة ووضّبتها وزيّنتها لكل واحد بمفرده من المدعوّين الى سهرة رأس السنة، حتى أتذكر ابن العم منير. لقد سها وعيي عنه تماماً. إذاً قلق وذعر في وسط الليل. يا لله! لماذا علي أن أتذكّر جوانب تقصيري في منتصف الليل. ومتى؟ عشية سهرة رأس السنة. يقولون إنه وقت للتأمل. إنه أقرب لأن يكون الوقت الأصلح لأسوأ أنواع النوم. قرابة الثانية فجراً أكتشف أنني لم أنس فقط بعض الهدايا، بل وقعت أيضاً في تخبّط كامل: "ألم أكن قبل عامين قد اشتريت المولينكس إياها للعمّة لينا؟ ألم أشتر الآن عطر باشتولي للصديقة سوزي؟ أولم تقل لي إن زوجها يكره رائحة باشتولي؟ وهذا، في الحقيقة، لم يكن خطئي لأن دعاية مخزن "ليبرتي" الأنيق والعريق بدت مُقنعة لي: "تكره باشتولي؟ جرّب باتش. تحب باشتولي؟ جرّب باتش"". أوف... وماذا لو كان زوجها يكره باشتولي؟ إلى مزيد من التقلّب في السرير وقد صارت الثالثة والنصف فجراً. كيف سأستيقظ مبكراً وأذهب للبحث عن هدية ابن العم منير قبل المرور على الباتسيري وابتياع الحلوى، فيما العلامة المعلّقة على باب الباتيسيري لا تترك مجالاً للخطأ: "نغلق في الحادية عشرة صباحاً ونتمنى لكم رأس سنة سعيداً جداً". العام الماضي ظننت انني سأتشاطر على الهستيريا التي تلازم تلك المناسبة. لن أسرع، لن أركض. اشتريت كاتالوغ هدايا من 500 صفحة يعد قرّاءه بالتالي: "نحن نقدّم اقتراحات أيضاً: هدايا شخصية، هدايا بيزنس، هدايا عائلية. لدينا كل ما تحتاجونه ونسلّمكم اياه في بيوتكم مغلّفاً بأناقة". أصابني فرح جامح. إذاً لن أهيم على وجهي لاهثة في طرق مدينة تكتظ بالناس المتبضّعين. لن أتزاحم مع حشود المتسوّقين لأشق طريقي الى باعة يتأففون من درجة الفوضى. لن أكون مأخوذة بتجاوز صفوف المنتظرين بمن فيهم الأطفال الملحاحون في الطلب وأمهاتهم المرهقات. هكذا تصرفت بعقلانية وطلبت هداياي بالبريد. كارثة! ليس فقط أن نصف الأغراض لم يصل في الوقت المحدد، وكان علي أن أُصاب بذعر مزدوج قبل يومين على المناسبة السعيدة، بل أيضاً كانت وجوه بعض أقاربي وأصدقائي بادية التعبير فيما راحوا يفتحون هداياهم ليكتشفوا حقيقة ما بدا جميلاً في الكاتالوغ. نعم، كان يكفيني أن أستمع الى العبارة المهذبة والقليلة الإقناع: "جميل، ما كان عليكِ فعلاً أن تفعلي ذلك". حقاً ما كان عليّ أن افعل ذلك. ولهذا فإنني هنا، الليلة، عاجزة عن النوم، تحكّني قدماي بعد المرور سيراً على مئة متجر، ورأسي يدوّخه ما لا بدّ ارتكبتُه من تقصير في اختيار الهدايا. هكذا تُركتُ من دون أي وقت للتأمل في أي شيء، ما خلا العطر غير المناسب، والشوكولا المعروفة جداً، واللعبة الناطقة التي انقضت موضتها، ولون الشال الذي قد يبدو غامقاً على ليلى الصغيرة. ويا لله! فها قد نسيت أن أُحضر من المصبغة الثوب الذي قررت أن أرتديه للمناسبة، والمصبغة بدورها أغلقت بابها الى ما بعد رأس السنة. انها السابعة صباحاً وجرس التليفون يرن. ها هي صديقتي نينا التي لم تستطع أن تنام الليلة الفائتة. اعتقدت أن في وسعي أن أساعدها بفكرة عن هدية لابنتها. فهي وحماتها راودتهما الفكرة ذاتها فجاءتا بساعة اليد نفسها للصغيرة... "والمسكينة ستُصاب ببعض خيبة الأمل". إذاً من الواضح أنني لست وحدي من حُرم لحظات التأمل كما حُرمت أن أطرح على نفسي الأسئلة الوجودية والروحية في هذه المناسبة البهيجة.