أصيب قاضي الأمور المستعجلة في بيروت فادي نشّار بجروح في صدره عندما أطلق عليه اللبناني خليل علي سنو 1973 النار أمس بينما كان على قوس المحكمة. ونقل القاضي الى مستشفى "أوتيل ديو" حيث خضع لجراحة فاستقرت حاله. وتجمعت ل"الحياة" رواية عن الحادث من كاتب المحكمة راجح شبو والمباشر فيها موفق ياسين اللذين كانا موجودين وتعرضا لاطلاق نار، ومحامين وموظفين. عندما وصل الجاني الى بهو الطبقة الثانية التقى محاميتين واقفتين فسألهما عن محكمة الجنايات فدلته احداهما اليها وكان بابها مقفلاً، فسأل عن اسم المحكمة التي كان بابها مفتوحاً فأجابته عنه. وحينما دخل قاعة المحكمة، وكانت في آخر جلساتها، جلس في المقاعد الخلفية، وكان فيها محامون ونحو عشرة أشخاص. ثم اقترب ليجلس في المقعد الثاني. وبينما كان القاضي والموظفان منشغلين بأوراق الجلسة، صعد مسرعاً الى قوس المحكمة شاهراً مسدساً 7 ملم وأمسك القاضي من كتفه وقال له "قف"، فدفعه القاضي بيده ثم وقع، فبادره بطلق ناري أصابه بين كتفه وصدره، ثم اطلق طلقتين أخريين الأولى في اتجاه الكاتب الذي سقط أرضاً وظل نائماً ل"يظن انني قتلت" كما قال، والأخرى في اتجاه المباشر فلم يصب "لكنني رحت أقفز أمامه كالقط" بحسب تعبيره. بعد ذلك تعطل "روكب" المسدس، واتجه نحو الباب ورماه وخرج "طبيعياً، ولم يبدُ عليه أي ارباك". مشى في البهو الواسع الى الجهة الثانية ودخل قاعة محكمة الاستئناف التي كان فيها ثلاث محاميات بحسب ما قال موظف في المحكمة ساعد في امساكه. وعلى الفور حضرت القوى الأمنية، لكن حينما خرج المباشر وهو ملتح، ظن بعضهم انه الفاعل كادوا يقبضون عليه. حضروا الى مكانه من دون أن يدخلوا الى القاعة تحسباً من ان يكون مسلحاً. وقال موظف محكمة الاستئناف انه دخل القاعة، ظناً منه ان موقوفاً فرّ، فرأى المحاميات الثلاث وشاباً هادئاً يتحدث بصوت خفيض على الهاتف الخلوي، فأبلغ القوى الأمنية ان لا أحد مسلحاً في الداخل، فدخلوها وقبضوا عليه ونقلوه فوراً الى نظارة قصر العدل وبعد نحو ساعات أحضروه الى غرفة قاضي التحقيق الأول حاتم ماضي. كانت اذناه شديدتي الاحمرار وكذلك وجهه الحليق. كان يرتدي قميصاً أبيض فكّت ازراره وبنطلون "جينز". وكأن الساعات الثلاث التي أمضاها في النظارة عبثت بشكله وبأناقته التي حالت دون ان يعرفه الموظف بعد ارتكابه فعلته. ولحظة توقيفه راح سنو ينفي فعلته قائلاً: "مش أنا، مش أنا". وذُكر ان سنو مصاب بمرض السل وولد في رأس النبع في بيروت ويقيم في برج البراجنة الضاحية الجنوبية ووالدته وفاء، وهو يعمل في حدادة السيارات وله سوابق وأمضى خمس سنوات في سجن رومية بجرائم سرقة موصوفة، وخرج قبل شهرين. وتوجد في حقه مذكرة من الانتربول صادرة من سويسرا بتهمة نهب وسرقة، وكانت محكمة الجنايات برئاسة القاضي لبيب زوين أصدرت بحقه حكمين قضيا بسجنه خمس سنوات، وكذلك صدر عن القاضي المنفرد في جبل لبنان عليه حكم بالسجن سنة ونصف السنة وحكم عن محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي سهيل عبدالصمد قضى بسجنه سنة ونصف السنة. وروى بعض موظفي قصر العدل ان هذه الاحكام ادغمت وأصبحت خمس سنوات نفذها. وانه أتى أمس بناء لمذكرة جلب، وانه "جاء لينتقم من القضاء" وانه "كان يقصد القاضي زوين أصبح في التمييز في التشكيلات الأخيرة، ولم يقصد القاضي نشار الذي ينظر في شؤون مدنية لا علاقة لها بالجزاء". وادعى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزف معماري على سنو وعلى كل من يظهره التحقيق، لاقدامه عمداً على محاولة قتل القاضي النشار اثناء عقد جلسة محاكمة علنية برئاسته، باطلاق النار عليه من مسدس حربي غير مرخص واصابته اصابة بليغة في كتفه من الخلف وفي رئته اليمنى، وعلى محاولة قتل الموظفين الكاتب راجح شبو وموفق ياسين، سنداً الى مواد تنص عقوبتها على الأشغال الشاقة المؤبدة. ووصف رئىس مجلس القضاء الأعلى القاضي طانيوس الخوري الحادثة ب"الكارثة". وكان الخوري يتفقد قصر العدل في صيدا، ويتحدث عن القضاة الأربعة مؤكداً ان "دمهم لن يجف وسيبقى في صدر العدالة حتى تكشف الحقيقة" عندما قطع حديثه فجأة ليتبلغ بالنبأ عبر الهاتف ثم قال: "كارثة ألا يكون القاضي آمناً على نفسه داخل قصر العدل". أركان الدولة يستنكرون وعقد في مكتب النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم اجتماع حضره وزير العدل سمير الجسر ووزير الداخلية الياس المر والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء مروان زين. وقال الجسر بعد الاجتماع: "ان أهم ما في الأمر القاء القبض على الجاني الذي ستتخذ بحقه كل الاجراءات القانونية". وعن الأمن في قصر العدل قال: "كل التدابير متخذة فيه، لكن هذا الأمر لا يعني عدم امكان تسلل أحد، قد يتطلب الأمر تجهيزات أكثر". وقال المر: "يمكن ان تتوافر لدينا معطيات خلال 24 ساعة وهذا يعني ان القضية لن تموت او تطوى او تصبح في المجهول". وأضاف: "ان الجاني ارتكب الجريمة بمفرده وهو كان مسجوناً في رومية، وقد تكون له علاقات داخل السجن وقد يكون وراء الأمر خلفيات". واعتبر ان "القضية ليست شخصية لأن الجاني لا يعرف القاضي وأهم من هذا كله ان التحقيق مع الجاني قد يظهر خيوطاً أخرى وماضياً طمر بعد جرائم وقعت في قصور العدل سابقاً. فالموضوع لا يندرج في الاطار الشخصي بل في اطار الإخلال بالأمن في البلد وهو عنوان يمكن ان يستفيد منه أكثر من فريق". وتابع: "لا اعتقد ان لدى من يدخل قصر العدل ويطلق النار على قاضٍ لا يعرفه، لذة في ارتكاب الجريمة يمكن ان يرتكبها في أي مكان وليس في قصر العدل". وعن التدابير الأمنية قال: "أعتقد ان على القضاة والمحامين ان يتحملوا التدابير الأمنية التي تصب في مصلحتهم". واعتبر مجلس القضاء الأعلى بعد اجتماعه استثناء، ان "الحادث الفظيع الذي تناول السلطة القضائىة هو نتيجة للتقاعس المتمادي في كشف هوية مرتكبي جريمة القضاة الأربعة في صيدا، وتوقيفهم وانزال العقوبة بهم، وهو ينال من سلطة الدولة ومؤسساتها". وأهاب ب"السلطات المختصة ان تبذل قصارى جهدها لوضع حد لهذا الفلتان الاجرامي حفاظاً على سلامة السلطة القضائية وأمنها". ودعا الى "وضع خطة أمنية شاملة وجادة لحماية قصور العدل". وأعلنت نقابتا محامي بيروت والشمال اضراباً عاماً اليوم في قصور العدل، احتجاجاً على الحادث. وسجلت ادانات للحادث أبرزها لرؤساء الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري وعدد من النواب والسياسيين. وأكد لحود ان "مثل هذه المحاولات أياً تكن دوافعها لا يمكن الا ان تزيد القضاء اللبناني نزاهة وتجرداً ولن تؤثر في نقابية القضاة وفي أخلاقهم والقسم الذي رددوه يوم اختاروا أنفسهم دروعاً لصون العدالة والدفاع عن الحق". وطلب من الجهات المعنية اتخاذ الاجراءات اللازمة بحق مطلق النار، والتحقيق في الأسباب التي مكنته من ادخال السلاح الى قاعة المحكمة واتخاذ التدابير القانونية في حق المقصرين.