القاهرة - "الحياة" - إذا كان هناك شباب تحول ظروفهم الاقتصادية الصعبة دون الزواج، فهناك آخرون مضربون عن الزواج بكامل ارادتهم على رغم ظروفهم المادية الميسورة. فما أسباب امتناع الشباب القادر مادياً عن الزواج؟ هل هي الرغبة في العزوبية والتي يرى فيها البعض حرية قد تكبلها قيود الزواج؟ أم أن هناك حال فقدان ثقة في فتيات هذه الأيام؟ أم أن هناك أسباباً أخرى؟ باسم حلمي مهندس كومبيوتر شاب تجاوز ال34 عاماً وعلى رغم ان لديه الامكانات المادية للزواج لكنه لم يفكر فيه يوماً. يقول: "كل من يقابلني يسألني لماذا لم تتزوج؟ وأنا أرد بسؤال أراه أكثر أهمية وهو: لماذا اتزوج؟ هل أفعلها حتى تتحكم فيَّ امرأة وتجعل خروجي من البيت وعودتي اليه بمواعيد؟ هل أفعلها حتى أنجب اطفالاً يملأون حياتي صراخاً وطلبات لا تنتهي؟ حتى اذا فعلتها لا أرى سبباً لأن يكون ذلك مبكراً وسأؤجل تلك الخطوة قدر الامكان وربما أستطيع تأجيلها للأبد، فأنا اعيش حياتي الآن متمتعاً بحريتي، فيما اصدقائي الذين تزوجوا أصبحت حياتهم عبارة عن روتين ممل، لا يستطيعون معه السهر خارج البيت خوفاً من زوجاتهم وهو وضع لا اتخيل نفسي فيه ابداً". ويضيف باسم: "البعض قال لي ان أهم أهداف الزواج هو انجاب اطفال يكونون سنداً لي عندما أكبر، وأنا أرى أن السند الحقيقي هذه الايام هو المال لا الاولاد. ربما يراني البعض مخطئاً لكن هذا هو تفكيري وهذه هي حياتي وأنا حرّ فيها". صدمة واذا كان باسم ممتنعاً من الزواج خوفاً على حريته فان كريم 32 سنة يعترف انه تعرض لصدمة عاطفية قاسية في الجامعة كانت السبب في عدم تفكيره في الزواج مرة أخرى، لأنه، وعلى حد تعبيره، "فقد الثقة في كل البنات". يقول كريم: "كنت احب زميلة لي في الجامعة واتفقنا على كل شيء فلا توجد عندي مشكلات مادية إذ اشترى والدي لي شقة في حي راقٍ، وأملك سيارة حديثة. وعلى رغم ان قصة الحب بيننا كانت ملتهبة او هكذا كنت أظن، إلا أنني شاهدتها بالصدفة في مكان رومانسي مع شاب آخر وكانت تضع يدها في يده، وما ان رأتني حتى احمر وجهها ولم تنطق بكلمة وأنا أيضاً شعرت لحظتها بصدمة لا استطيع وصفها. تركت المكان بسرعة وحاولت هي أن تكلمني بل جعلت إحدى صديقاتها تتصل بي لجس نبضي ومدى استعدادي لاعادة العلاقة، لكنني اندهشت من جرأتها وبتعبير اكثر صراحة، "وقاحتها"، فما الذي يمكنها ان تقوله لي بعد ما رأيت؟ وهل يمكن ان أعطيها الامان بعد ذلك، بل هل يمكن ان أعطي الأمان لغيرها؟ لقد ملأني الشك في كل البنات، وعلى رغم أن من حولي يقولون ان البنات مختلفات وان خيانة واحدة لا تعني ان كل الفتيات خائنات، لكنني أصبحت كثير الشك، لهذا أهرب دائماً من الارتباط الرسمي بأي فتاة، وبصراحة أكثر، اصبحت ارتبط بالفتيات على سبيل التسلية فقط". عقدة "أهلي السبب"... هكذا بادرنا سمير 36 سنة وهو أحد الممتنعين عن الزواج على رغم ظروفه المادية الميسورة عندما سألناه عن أسباب موقفه. اضاف: "لم أفكر في الزواج لأن كل النماذج التي شاهدتها حتى الآن فاشلة جداً. لا توجد عقبات مادية تحول دون زواجي، لكن عندي ما يشبه العقدة النفسية، فمنذ طفولتي أشاهد والدي ووالدتي في شجار دائم حتى وقع بينهما الطلاق، وكنت انا واخوتي الضحايا لأننا تشتتنا بينهما، وحتى أختي التي تزوجت قبل خمس سنوات دائمة الشكوى من الزواج وهمومه ومشكلاته، وابن عمي ينصحني دائماً ألاّ اقع في فخ الزواج الذي وقع فيه والذي يتمنى لو جاءته الفرصة للتخلص منه، وأصدقائي المتزوجون لا يجلسون معي إلا ويشتكون من الزواج ويؤكدون بالتعبير المنتشر هذه الايام انه مشروع اجتماعي فاشل. فكل المتزوجين الذين أعرفهم يعانون، فلماذا اتزوج؟". ايمن ثابت 26 سنة وحيد والديه، بعد تخرجه من كلية التجارة بدأ يعمل مع والده في تجارة الاقمشة التي يعتبر والده واحداً من أهم تجارها، وعلى رغم ان والديه يلحان عليه ليتزوج لكنه يرفض تماماً مجرد الكلام في الموضوع. يقول ايمن: "مشكلة الزواج الحقيقية ليست في المسؤولية المادية وانما في المسؤولية النفسية، فأن تكون مسؤولاً عن زوجة ثم اولاد ليس سهلاً، وأعتقد أنه نوع من "وجع الدماغ" يمكن الافلات منه اطول فترة ممكنة. واذا كان الزواج كما يقول اصدقائي "كأساً لا بد منه" سأؤجل احتساء هذه الكأس قدر الامكان. ونقطة ضعفي الوحيدة هي إلحاح والدتي علي كل يوم لأتزوج، لكنني حتى الآن ناجح في الهروب منها ومن الحاحها". شيزوفرينيا! كيف يرى علم الاجتماع امتناع بعض الشباب عن الزواج على رغم مقدرتهم المادية؟ يقول الدكتور احمد المجدوب: "هناك شباب كثيرون مصابون بما يشبه الشيزوفرينيا او الانفصام النفسي بين الفعل والفكر، فما يفعلونه غير ما يؤمنون به، وما يؤمنون به لا يفعلونه. وهذا ينطبق على شباب كثيرين يضربون عن الزواج، فتجد شاباً يعرف فتيات كثيرات قبل ان يتزوج وعندما يحين موعد الزواج يبحث عن فتاة يكون هو أول رجل في حياتها، وبالطبع مثل هذه الفتاة الآن، يندر وجودها، لأنه، كما ان للشباب مشاعرهم فإن للفتيات ايضاً مشاعرهن. هؤلاء الشباب بسبب شقاوتهم وتجاربهم الغرامية قبل الزواج يتملكهم شك في البنات، لهذا يهربون من الزواج ويفضلون الارتباط العاطفي غير الرسمي. والامتناع عن الزواج ينتشر بين الشباب الاثرياء لأن الشاب الثري يشعر أن في إمكانه الزواج في أي وقت ومن أي فتاة يريدها، بينما الشاب الكادح الذي يبني مستقبله بنفسه يكون الزواج أحد أحلامه الرئيسية، لهذا فبمجرد ان يشعر انه اصبح جاهزاً للزواج لا يتردد".