هوية سوداء اختار الشعر اولاً ثم وجد صوته في المسرح، وحتى الثامن من شباط فبراير 2003 تعرض مسرحيته "الملك هولي الثاني" على "تريسايكل تياتر" في كيلبرن، لندن. اوغست ولسون انهى اخيراً "جوهرة المحيط" وعليه كتابة مسرحية واحدة ليختم تلخيص كل من عقود القرن العشرين بعمل. بعد الانتهاء من "جوهرة المحيط" شعر بكآبة كأنه خسر موقتاً الدافع للحياة، ورأى ان عليه كتابة فكرة لشخصية او عنوان او سطر من حوار لكي يستطيع القول انه يكتب مسرحية جديدة ويستمر في العيش. في عمله الأخير جدة تخطت المئتين بسبعة وثمانين عاماً وعبدة ترفع اوساخ الكلاب عن الأرصفة لتستخدمها في الدباغة. في المشهد الأخير تفقد سولي الرجاء وتحاول الانتقام بإضرام النار في السجل ومحل الدباغة. "أغنى الأصوات المسرحية في اميركا منذ تينيسي وليامز وآرثر ميلر" بحسب "تايم" ليس اكثر تفاؤلاً من بطلته، ويرى ان وضع السود اسوأ اليوم مما كان. هناك كولن باول والقاضي كلارنس توماس ورئيس شركة تايم ورنر، نعم، لكن ذلك يعادل عشرة اشخاص من خمسة وثلاثين مليوناً. في السجون مليون رجل اسود تركوا عائلات بلا معيل، وتحطيم الأسر استمرار لسياسة عامة تعود الى زمن اعلان التحرير في 1865. ولد في 1945 لمصرفي ألماني وعاملة تنظيف سوداء وتدرجت البشرة في الأسرة من البياض عند شقيقته ليندا جين الى السواد عنده، وبينما عوملت باحترام كبيضاء اضطهد هو كأسود. أدمن والده على الكحول وكان حضوره في الأسرة "متفرقاً" في حين كدّت الوالدة لتؤمن مستوى ثابتاً من العيش لأولادها. حظها في الزواج كان سيئاً، اذ تحول زوجها الثاني من رياضي واعد الى سارق "اضطر" الى القتل يوماً وتوفي في السجن. في "اسوار" التي كوفئ عليها بجائزة بوليتزر يروي قصة لاعب بيسبول سابق يقتل رجلاً ويسجن. اوغست ولسون ينفي دور زوج امه في المسرحية ويقول انه استوحى قصة الملاكم تشارلي برلي الذي سكن بيتاً قبالة اسرته. رغبت والدته في ان يتخصص ألمع اولادها لكن معلمه الأسود احبط آماله لا ظلم البيض. قرأ الفتى ستة كتب عن نابوليون بونابرت، شخصيته المفضلة، ليكتب موضوعاً عنه. لم يصدق المعلم ان في استطاعته الكتابة بتلك النوعية الرفيعة فأعطاه علامة واطئة. مزق الأوراق وقاطع المدرسة وواظب على ارتياد المكتبة العامة. عمل طباخاً وبستانياً ووجد العزاء في "القسم الزنجي" في المكتبة: "مجرد التفكير ان في استطاعة السود الكتابة. أردت رؤية كتبي على الرفوف وحلمت بالمشاركة في نهضة هارلم". تخلى عن اسم عائلة ابيه، كيتل، واختار اسم عائلة امه كأنه يقرر نهائياً انه اسود التاريخ والمستقبل والهوية. بدأ يقرأ شعره لمن يصادفهم في المطاعم والشوارع وظنه البعض مجنوناً لندرة الشعراء السود يومها. تغيرت كتابته للمسرح ثورياً عندما قرأ عبارة لسيكوتوريه: "اللغة تصف فكرة من يتكلمها". اقتنع ان الكتابة هي ترك الشخصيات تتحدث، ومع "جيتني" و"مؤخرة الأم ريني السوداء" فتحت الطريق امامه. انتعشت شخصياته وانساب حوارها فقبل مركز اونيل للمسرح اعماله بعدما رفضها بإصرار مهذب. عاب عليه نقاد الإرشاد والعظمة والرتابة في اعماله، ورآها بعضهم محدودة ومحكومة بحس الضحية، لكن آخرين اعترفوا بقدرة كتابية تتجاوز الرسالة السياسية عنده. رؤيته السياسية لم تتغير منذ استمع للمرة الأولى الى مالكولم اكس ومارتن لوثر كينغ، ولا يجد في التطورات ما يغيرها او يدفعه الى الاعتذار. نال بوليتزر للمرة الثانية عن "درس البيانو" التي حكت عودة شاب الى بيتسبرغ في حقبة الركود لشراء ارض عمل اجداده فيها عبيداً. حاز جائزة النقاد مراراً لكنه رفض الانخراط في اتجاه الثقافة السائد وركز على هامشية الأفارقة - الأميركيين في مجتمعهم. تعدى تأثيره في المسرحيين السود اميركا، وزود الثقافة بمادة للممثلين السود يختبرون فيها انفسهم والمسرح في آن. حركة "القوة السوداء" صهرته في الستينات وجعلته اول مسرحي افريقي - اميركي يجد النجاح في برودواي بعد لورين هانزبري بربع قرن. الرجل يحمل تراثه على ظهره ويتركه يتكلم. خذ "موت بائع جوال" لآرثر ميلر. "ليست الطريقة التي يعالج السود فيها مشكلاتهم، ليست لغتهم، وليست علاقاتهم. تاريخنا مختلف وحاجاتنا مختلفة. لم يكن ممكناً لأسود العمل بائعاً جوالاً في الأربعينات اصلاً. كان سيقتل". صنعتها جروحها راجت الأزياء المكسيكية في اوروبا في الصيف، وقدم مسرح ليريك في لندن "البيت الأزرق" في تشرين الأول اكتوبر وبدأ عرض فيلم "فريدا" في اميركا بعدما جاهدت سلمى حايك عشر سنوات للفوز بالدور. يعرض الفيلم في لندن اوائل السنة المقبلة ويقدم الفنانة المكسيكية التي رسمت عذابها وطورت الهيئة الذاتية وجعلت الخاص عاماً بلا رحمة. كرستها النسويات رمز قوة المرأة والروح البشرية التي لا تقهر، وبدا ان كل ذلك الوجع في حياتها وفنها حرم المتفرج الحق في نقد عملها. كان مباشراً ساذجاً غارقاً في الذات، وكان ايضاً شديد الحيوية والحسية. واكب الفن الفجيعة منذ البداية. في اليوم التالي لذكرى الاستقلال عن اسبانيا استقلت ابنة الثامنة عشرة الحافلة، لكن هذه اصطدمت بمركبة وكانت فريدا كاهلو شهيدة الحادث. اخترقها قضيب من الفولاذ من جانبها الأيسر الى ذلك الأيمن. كسرت رقبتها وعمودها الفقري وبضعة اضلاع، وسحقت قدمها اليمنى وخلع كتفها الأيسر وكسر حوضها في ثلاثة مواقع. كان راكب يحمل كيساً من المسحوق الذهبي فتناثر هذا وامتزج بدم الصبية ليجعل عذابها لوحة حية. ستخضع لأكثر من ثلاثين جراحة تنتهي بقطع رجلها وستتزوج مرتين من "آكل النساء" الذي اوصى بدفنه قربها لكنه ووري في مقبرة الرجال البارزين بعيداً منها. التقت فريدا كاهلو فنان الجداريات الشيوعي دييغو ريفيرا عندما كانت في العشرين. كبرها بواحد وعشرين عاماً وأحب الحسية في الرسوم التي طلبت رأيه فيها. عندما تزوجا اتسعت شهيته لأخريات كانت شقيقتها إحداهن، لكنه كان كريماً ودعمها فنياً. عاشا في الولاياتالمتحدة بضع سنوات تغيّر فنها خلالها ربما لمعرفتها بعجزها عن الإنجاب. بدأ عقدها مع الذات فرسمت اجهاضها على فراش ابيض غطاه الدم، وجعلت نفسها غزالاً اثخنته النصال، وأظهرت التناقض في جسدها المغري الملفوف بالضمادات، المثقوب بالمسامير، المكسور الظهر. كانت شهيدة حية مثل القديس سيباستيان الذي قتل بوابل من الرماح، وصورت شهادتها بتؤدة قد تجمع القسوة والابتزاز. "لم ترسم امرأة مثل هذا الشعر المعذب من قبل" قال ريفيرا، ورأى السوريالي اندريه بريتون عملها "قبراً لف بشريط". ولئن جعلت نفسها ضحية زوجها الخائن ارتبطت هي ايضاً بعلاقات كثيرة شملت الزعيم الشيوعي ليون تروتسكي وعدداً من النساء. رسمت "عاريتين في الغابة" بحسية اكيدة ظهرت في لوحات الحياة الجامدة فتذمر بعض الشارين من مجانيتها. وبرزت القرود في اعمالها وحياتها اذ كانت بديلاً من الطفل المجهض الغائب، وسرحت بحرية في "البيت الأزرق" وشاركت الضيوف تناول الطعام من صحونهم. لقبت كاهلو الضئيلة وريفيرا الضخم "اليمامة والفيل" لكنها تمتعت بإرادة حديد، وبينما اعترضت والدتها الكاثوليكية على سن ريفيرا وشيوعيته حذّره والدها من ابنته "الشيطان المتنكّر". قالت فريدا انها فقدت عذريتها في حادث الحافلة وتردد انها استخدمته ذريعة للتغطية على ايمانها بحقها في المتعة. تبدو في إحدى لوحاتها دامعة ويظهر زوجها في جبينها جلاداً حاضراً لا يرحم عذابها وحبها، لكنهما تبادلا الخيانة في الوقت نفسه. خمسة وخمسون من لوحاتها المئتين هيئات ذاتية لا تشير بالضرورة الى النرجسية بقدر ما تؤكد اعاقتها ووحدتها. لازمت الفراش طويلاً، وكثيراً ما رسمت وهي مستلقية على ظهرها، وفي مقدمة يومياتها يعلق مواطنها الكاتب كارلوس فوينتس على "الأخوة الغامضة بين جسد فريدا والشقوق العميقة في مكسيكو في سنواتها الأولى، مكسيكو بلاد صنعتها جروحها" كانت احبت ذلك. ادعت انها ولدت في عام الثورة لكنها ولدت في 1907، قبلها بثلاثة اعوام، وتوفيت في 1955 قبل معذبها بعامين. "تعرضت لحادثين خطيرين في حياتي" قالت لصديقة "الحافلة ودييغو". في البدء كانت الكلمة رفض بابا روما طلاق هنري الثامن من الإسبانية كاثرين اراغون وزواجه من آن بولين فانفصل ملك انكلترا عن الكنيسة الكاثوليكية وعيّن نفسه رأساً للكنيسة الأنغليكانية الجديدة. إلا انه بقي نخبوياً كالكاثوليك في نظرته الى الإنجيل. كان اسمى من ان يقرأه عامة الناس، وعلى لغته ان تبقى لاتينية يتقنها قلة من كبار القوم. لكن وليم تاينديل شاء ترجمة الإنجيل الى لغة الجميع فهرب الى الأراضي الواطئة، وبدأ مهربو ساسكس ينقلون نسخاً من العهد الجديد الى الجزيرة. كانت لغته قوية بسيطة جميلة وخارجة عن القانون، فأرسل توماس مور رئيس مجلس اللوردات ومجلس القضاء الأعلى جواسيسه الى هولندا للقبض على المجرم. كان مور نفسه في السجن لمعارضته طلاق الملك عندما سلم تاينديل الى القضاء الامبراطوري في بروكسيل. اطمأن الى مصيره مع اتجاه بريطانيا نحو البروتستنتية فخرج من مخبئه لكن صديقه الإنكليزي الشاب كان جاسوساً قاد الشرطة إليه. عوقب بالحرق حياً لكن جلاده كان اكثر رأفة به من الملك ومور فخنقه قبل اشعال النار في 1536. "إذا أنقذ الله حياتي" لبريان موينهان الصادر عن دار ليتل براون يروي القصة المشوقة لرجل تحدى زمنه وبقي 84 في المئة من نصه في النسخة الرسمية الإنكليزية التي صدرت في 1611.