لا تزال مشكلة السيارات في سورية لغزاً محيراً على رغم ان القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة حلت جزءاً منها باتجاه خفض اسعار السيارات التي لا تزال اعلى من معدلاتها قياساً الى اسعارها في دول العالم، الا ان حل المشكلة نهائيا بحاجة الى قرارات اكثر مرونة. وكانت الحكومة السورية اتخذت العام الماضي قرارات عدة في محاولة لخفض اسعار السيارات السياحية واستبدالها بعد اكثر من 35 عاماً من التأميم واتبعتها بخطوة إلغاء الوكالات الحصرية. غير ان هذه الخطوات لم تساهم كثيراً في تحريك السوق وخفض الاسعار وبقي بعض العراقيل يشكل حاجزاً أمام تملك المواطنين للسيارة. لا يحق للمواطن السوري استيراد سيارة من المناطق الحرة السورية والدول المجاورة وتُفرض عليه في حال أراد اقتناء سيارة ان تكون حصراً من بلد المنشأ، وان لا يكون مضى على صناعتها اكثر من عامين الأمر الذي أدى الى تحكم التجار بالسوق والى تحقيقهم أرباحاً خيالية بعيدة عن المنطق. وتساءل أحد المواطنين: "هل من المعقول إذا أردت ان اشتري سيارة يابانية فإن القانون لا يسمح لي بشرائها من السوق الحرة أو من الدول المجاورة ويطالبني بالذهاب إلى اليابان لشرائها ويعاملني وكأنني تاجر؟". ورأى محمد عسلية صاحب مكتب لبيع السيارات: "ان حركة السوق ضعيفة لان اغلب الناس، وهم من الطبقة الميسورة، صار لديه سيارات والمواطن السوري عندما يشتري سيارة يعتبرها ثروة وهذه السيارة لا يبدلها ولا يفكر في بيعها واقتناء سيارة جديدة ولو بعد عشرين سنة إنما تصبح عنده مثل المنزل". وقال ل"الحياة": "على رغم ان الأسعار تراجعت اكثر من 30 في المئة قياساً إلى الأعوام الأربعة الماضية غير أنها لا تزال الأعلى في العالم... وكانت تفرض علينا قسرياً من قبل الوكلاء والمستوردين الحصريين أما الآن وبعد إلغاء دورهم من الممكن ان تتراجع الأسعار بفضل المنافسة". وتابع: "السيارة التي سعرها في بلد المنشأ على سبيل المثال 5 آلاف دولار تُباع للمواطن بثلاثة أضعاف وعندما تتراجع الأسعار ستتحرك السوق بشكل كبير". وتعتمد مديرية الجمارك في شأن تسعيرة السيارات السياحية على أساس الأسعار الواردة في مجلة "شفاكليست". وينتقد البعض هذه الطريقة لان الاعتماد على اسعار مجلة ألمانية في تسعير السيارات في سورية أمر غير دقيق حيث ان المجلة مصممة لتناسب المواطن الألماني، وكان من المفروض أن تتم التسعيرة كما في كل دول العالم بناء على أسعار الشركات الأم. ومع مطالبة الخبراء بخفض الرسوم الجمركية لأنها مرتفعة قياسا الى الدول المجاورة ولا تتناسب مع الوضع المعيشي لذوي الدخل المحدود من القطاعين العام والخاص الذين يشكلون اكثر من 95 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 18 مليون نسمة والذين لا يتعدى متوسط راتبهم الشهري اكثر من 120 دولاراً أميركياً في الشهر. غير ان هناك من ينتقد المطالبين بخفض الضرائب والرسوم وإزالة الكثير من إجراءات وشروط استيراد السيارات، ويعتبرون ان هدفهم الأساسي ليس المواطن إنما فتح الأبواب على مصراعيها لاستيراد السيارات بلا رقابة وبلا ضرائب لصالح شريحة قادرة على شراء سيارة في جميع الظروف ومهما كان ثمنها، معللين مواقفهم بأن القادر على شراء سيارة بحدود 10 ملايين ليرة سورية يتأفف عندما يدفع للدولة 100 ألف ليرة. ويدافع هؤلاء عن الحكومة بتقاضيها رسوماً عالية على السيارات باعتبارها المجال الوحيد الذي تتقاضى فيه ضرائب حقيقية عن النشاط التجاري حيث لا يستطيع التاجر المسؤول عن ارتفاع الأسعار أن يتهرب من الضريبة. والرسوم الإضافية التي تحملها السيارات تصل الى اكثر من عشرة رسوم هي رسم الدفاع 15 في المئة من الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك البالغ 4 في المئة من قيمة السيارة المصرح عنها، ورسم إحصاء ويبلغ 4 في المئة من القيمة ورسم مدارس 10 في المئة من رسم الاستهلاك ورسم سير 2 في المئة من مجموع رسوم الجمرك والدفاع، ورسم المرفأ 3 في المئة من مجموع رسوم الجمرك والدفاع ونقل بحري 2 في الالف من القيمة المصرح عنها ورسم استيراد 2 في المئة من قيمة مجموع الرسوم الجمركية والقيمة الأصلية للسيارة. وقال صاحب مكتب "عساف لبيع السيارات": "يوجد الآن ركود في سوق السيارات لاعتقاد الناس انه من المحتمل ان تصدر قرارات جديدة في نهاية السنة وربما تنخفض الأسعار". واعرب عن اعتقاده انه في حال سُمح للمواطنين باستيراد سيارة من المناطق الحرة السورية أو من الدول المجاورة فان أسعار السيارات ستتراجع اكثر من الفي دولار أميركي، أما إذا بقيت الأمور على حالها فان الأسعار ستبقى مرتفعة". واوضح "ان اسعار السيارات تحت 1600 سي. سي. انخفضت بحدود راوحت بين 300 و400 ألف ليرة سورية بسبب تخفيف الجمارك". وكانت الحكومة أصدرت قراراً سمحت بموجبه للمواطنين باستبدال سياراتهم التي تعود الى ما قبل عام 1960 واستيراد سيارات جديدة بعد دفع نصف الجمرك، غير ان غالبية المواطنين بسبب وضعها المادي الصعب لم تستطع التعامل مع القرار الجديد ما دفعها الى بيع سياراتها المستعملة الى التجار الذين تولوا مهمة الاستبدال بدلاً عنهم. وقال احدهم: "كان من المفروض بالحكومة السماح لنا باستبدال سياراتنا إذا كانت تريد مساعدتنا من دون جمارك لأن غالبية الذين لديهم سيارات قديمة تعتاش منها وليست لديها القدرة على دفع ثمن السيارة الجديدة إضافة إلى رسوم الجمارك". يذكر ان اسعار السيارات في سورية تبلغ حالياً ثلاثة أضعاف السعر في بلد المنشأ بعدما كان سعرها قبل بنحو عامين يزيد على خمسة أضعاف. ويُقدر عدد السيارات العاملة على الطرقات السورية نحو 3.1 مليون سيارة تعود نسبة 13 في المئة منها الى القطاع العام ويعود انتاج 40 في المئة منها الى ما قبل عام 1980. وتحتل كوريا الجنوبية المرتبة الأولى بالنسبة لاجمالي الواردات من السيارات.