بعد أكثر من 35 عاماً، سمحت الحكومة السورية امس لمواطنيها باستيراد السيارات السياحية بأنواعها وأوزانها المختلفة على ان تكون جديدة لا يتجاوز تاريخ صنعها سنتين. وأجمع رجال الأعمال على ان القرار "خطوة مهمة تعكس وجود ذهنية جديدة في السياسة الاقتصادية". وفيما رأى وكيل شركة "جاغوار" البريطانية صخر التون وجوب خفض الرسوم الجمركية لتحقيق النتائج المرجوة من القرار، فإن وكيل شركة "ديملر كرايسلر" كمال سنقر قال إن القرار "شامل ويحل كل القضايا العالقة". ولم يتحمس وكلاء سيارات "بيك اب" للقرار، في وقت استدعت شركات دولية وكلاءها في سورية للمشاورات في الاسبوع المقبل. ويتوقع ان يؤدي القرار الى خفض أسعار السيارات في البلاد. وكان الحكم في منتصف الستينات حصر، في اطار سياسة التأميم، عملية الاستيراد ب"مؤسسة سيارات" افتوماشين الحكومية، أو عن طريق اجازة مغترب فيشترىها رجال الاعمال بمبلغ 300 ألف ليرة سورية ستة آلاف دولار، أو مشوهي الحرب وأعضاء مجلس الشعب والمعوقين، مما قصر عدد السيارات الى نحو 1.2 مليون سيارة لنحو 5،17 مليون شخص هم تعداد سكان البلاد. وسمح القرار الذي اصدره رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى ميرو امس تحت الرقم 3412 ب"استيراد السيارات وفق اجازة الاستيراد التي يتم الحصول عليها من "افتوماشين" على ان تسدد القيمة من حصيلة القطع الناجم عن التصدير وفي حدود نسبة لا تتجاوز 10 في المئة من ارصدة القطع المحتفظ به من قبل المصدرين لدى "المصرف التجاري السوري" الحكومي. ومنح القرار ايضاً المواطن امكان استيراد سيارة سياحية شخصية له على ان يوفر قيمتها من احد مصدرين: الاول من قطع التصدير أي بشراء القطع من أحد المصدرين ضمن حدود نسبة 10 في المئة، او من القطع الأجنبي المودع لدى "المصرف التجاري" بعد مضي ستة اشهر عليه". ومعلوم ان الحكومة كانت سمحت لمواطنيها قبل ثلاث سنوات بفتح حسابات بالقطع الأجنبي. ورأى خبراء ان الدولة لم تحقق من منع استيراد السيارات أي مكاسب ولم تجن سوى السلبيات، إذ حرمت الخزينة ملايين الدولارات واستوردت قطع تبديل قديمة ومستعملة للسيارات بملايين الدولارات. وأكدوا ان القرار الجديد سيسهم في تلبية حاجة السوق من السيارات السياحية الجديدة التي ستحل حتماً محل المستهلكة بالأسعار العادية غير الاحتكارية، وتوفير الاموال التي تصرف سنوياً في مجال صيانة السيارات القديمة واعادة التوازن في اسعار المركبات ليصبح سعر السوق هو السائد وليس السعر الاحتكاري الناشىء عن منع الاستيراد، وكذلك حل المنازعات القائمة في شركات الاستثمار المرخص لها بالنقل السياحي، وتتمثل بإقدام بعض هذه الشركات على بيع سياراتها بشكل غير قانوني. وأمام واقع الحال لجأ المواطنون في السنوات الاخيرة الى شراء سيارات "بيك اب" سمح للمزارعين باستيرادها بسبب حصر السيارات السياحية، لاستخدامها كسيارة عادية، الأمر الذي أدى الى استيراد نحو 75 ألفاً. وقال التون ل"الحياة" إن القرار "خطوة مهمة لشرعنة استيراد السيارات من قبل القطاع الخاص والمواطنين، ولكن لا بد من خفض الرسوم الجمركية عليها ذلك ان القرار بشكله الحالي سيبقي المواطنين مندفعين إلى شراء سيارات بيك اب". وأوضح انه لم يبع في السنوات الثلاث الأخيرة سوى مئة سيارة سياحية من "جاغوار" و"سيتروين" الفرنسية في مقابل بيع نحو الف سيارة "بيك اب" من الموديل الثاني. يذكر ان الدولة تفرض رسوماً بنسبة 255 في المئة على كل سيارة مستوردة ويتجاوز وزنها طناً واحداً و190 في المئة على السيارات دون الطن، بينما لا تتجاوز الرسوم على سيارات "بيك اب" 34 في المئة تسدد حسب سعر 22 ليرة للدولار الاميركي، الأمر الذي يجعل الرسوم لا تتجاوز 15 في المئة. واستهدفت الحكومة من قرار السماح باستيراد السيارات الزراعية من قطع التصدير لتشجيع المزارعين، لكن الواقع ادى الى استخدام 90 في المئة منها لاغراض مدنية. ويساهم القرار الأخير في حل التجاوزات التي خلفتها مشاريع النقل والتسويق السياحي المرخص لها وفق قانون الاستثمار الرقم 10 لعام 1991 وتعديله والتي وصل عددها الى نحو 525 شركة. فقد اجاز القرار لهذه المشاريع تسوية اوضاع السيارات المستوردة بوضعها في الاستهلاك المحلي النهائي بعد تسديد الرسوم الجمركية وتحديد قيمتها عند تسوية وضعها الجمركي وفقاً للمبادئ المعمول بها لدى مديرية الجمارك العامة على ان لا تقل قيمتها المقدرة عن 50 في المئة من قيمتها في بلد المنشأ بتاريخ ادخالها الى سورية وتسديد عمولة سيارات ورسم الانفاق الاستهلاكي الكمالي. ويعتقد خبراء بأن القرار سيؤدي الى رفع قيمة قطع التصدير باعتبار انه لم يسمح باستخدام اكثر من 10 في المئة لاستيراد السيارات، علماً ان سعر قطع التصدير يزيد عادة بنسبة 8 في المئة عن سعر الدولار في السوق السوداء. وأوضح احدهم: "بغية ايجاد التوازن بين حاجة السوق من السيارات السياحية ومتطلبات المستوردين ومنع أي انعكاسات سلبية على قوة الليرة السورية خصصت نسبة 10 في المئة من قطع التصدير الناجم عن صادرات القطاع الخاص. وحدد القرار سعر الدولار الجمركي في مجال تقييم السيارات السياحية التي ستوضع في الاستهلاك المحلي استنادا إلى هذا القرار بسعر البلدان المجاورة والسيارات الأخرى غير السياحية التي ستوضع في الاستهلاك المحلي على أساس سعر 23 ليرة للدولار". يذكر ان عدد السيارات في سورية يقدر بنحو 1.2 مليون سيارة تعود نسبة 13 في المئة منها الى القطاع العام ويعود انتاج 40 في المئة منها الى ما قبل 1980 وتعتبر أسعار السيارات الأغلى في العالم، إذ يصل مثلاً سعر سيارة "جاغوار" صغيرة الى 120 ألف دولار وكبيرة الى 160 ألف دولار!