أنقرة - الحياة" لم تتمالك رئيسة الوزراء التركية السابقة تانسو تشيلر نفسها، فذرفت الدموع الغزيرة أمس، لدى وداعها عالم السياسة، تاركة وراءها تجربة تسع سنوات حافلة، خطت خلالها اسمها في تاريخ البلاد كأول امرأة تتولى سدة الحكم في أنقرة. وسلمت تشيلر أمس، مقاليد حزب "الطريق القويم" الذي تولت زعامته خلفًا للرئيس الراحل سليمان ديميريل، إلى محمد آغار وهو أحد قدامى المخلصين لها ووزير سابق للداخلية، تؤخذ عليه علاقاته المشبوهة مع بعض عصابات المافيا. وبعد فشل حزبها في دخول البرلمان إثر انتخابات الثالث من تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وجدت تشيلر نفسها مضطرة لاعتزال العمل السياسي، والتخلي عن منصبها في أول حزب سياسي تركي تتولى زعامته امرأة. ونجحت تشيلر 56 عامًا في أن تصبح أبرز الشخصيات السياسية في تركيا، على رغم أنها عاشت القسم الأكبر من حياتها بعيدة من هذا المجال. فهي تخرجت من جامعة البوسفور في اسطنبول، وحصلت على بعثة لدراسة الدكتوراه في جامعة كونتيكت في الولاياتالمتحدة حيث درست علم الاقتصاد. ولا تزال تلك الفترة التي قضتها وزوجها أثناء الدراسة في أميركا، مثار العديد من الاتهامات لها، خصوصًا في ما يتعلق بصلاتها الواسعة والمؤثرة في أميركا والتي ادعى البعض في تركيا أنها جاءت من خلال تعاونها مع الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي اي. كما أن مصدر ثروة تشيلر في أميركا لا يزال موضع سؤال. وكانت جمعية رجال الأعمال الأتراك المعروفة بصلاتها مع واشنطن أول من قدم تشيلر إلى رئيس الوزراء السابق سليمان ديميريل الذي سارع بدوره إلى تكليفها حقيبة الاقتصاد أثناء حرب الخليج الثانية، ودعمها لتحل محله في زعامة الحزب عام 1993 عندما تولى رئاسة الجمهورية. وأصبحت تشيلر حينها أول سيدة تترأس الحكومة التركية، وذلك على رغم خبرتها المتواضعة جدًا في السياسة. إلا أنها بشخصيتها القوية، أعلنت العصيان على أستاذها ديميريل ورفضت أن تكون ظلاً له في الحكومة. وواجهت مصاعب كثيرة في عالم السياسة التركية وتخبطت فيه، وورد اسمها في العديد من قضايا الفساد التي أنقذتها منها حصانتها السياسية ودخولها في ائتلاف حكومي مع نجم الدين أربكان زعيم حزب الرفاه. إلا أن دخولها في هذا الائتلاف جعلها تخسر المؤسسة العسكرية التي كانت تدعمها دائمًا، وخسرت بعد ذلك ثقة الجمهور والشعب بعد ابتعادها عن ديميريل وحظوته، وبعدما كشف عن دعمها لسياسة التعامل مع المافيا والمجرمين لمحاربة حزب العمال الكردستاني الانفصالي، في ما عرف بفضيحة "صوصورلك"، حتى غدت خارج البرلمان هي وحزبها في الانتخابات الأخيرة. المقربون من تشيلر لم يخفوا أبدًا استغلالها أنوثتها إلى حد ما في إقناع السياسيين ورجال الدولة بوجهة نظرها، ولو كانت تشكو دائمًا من إهمال زوجها لها وعدم تقديره لجمالها وذكائها. وكانت تعترف بأن والدها فقط كان الوحيد الذي قدر ملكاتها تلك وهو الذي اعتاد أن يلقبها ب"أعجوبة الدنيا الثامنة". ولعل أيًا من الأتراك ما كان يعتقد يومًا أن "شمس تشيلر" ستغرب عن الساحة السياسية، نظرًا إلى ما عرف عنها من عنادها ومثابرتها ورفضها للاستسلام. لكن تنحيها عن زعامة الحزب بعد خسارتها الانتخابات، يرسخ مبدأ تداول السلطة داخل الأحزاب السياسية وهو تقليد جديد على تركيا.