دخل بديع أبو شقرا صالة المسرح ذات يوم لمشاهدة عمل مسرحي لصديق، ولم يكن يعلم ان تلك المسرحية ستبدل حياته، وتنقله من عالم الهندسة المعمارية الى عالم المسرح والتمثيل. ولم يكن تنبه الى الاجواء التي عاشها في منزله والمملوءة بالثقافة والأدب، فالتفت الى رفوف مكتبته التي تحوي عدداً من المسرحيات المهمة التي جمعها والده حين كان يشارك في محترفات المسرحي منير أبو دبس. ودخل ابواب معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، يحمل معه احلاماً كبيرة وكثيرة، سرعان ما كانت تتحطم يوماً بعد يوم عند اصطدامها بجدار الواقع. هذا الواقع نفسه الذي جعله يحصد "جائزة موركس الذهبية لأفضل ممثل للعام 2002"، ويوقع اخيراً كتابه الاول "الرجل الذي رقص" في "معرض بيروت للكتاب العربي والدولي". وهذا الواقع هو الذي جعله يمثل ويكتب ويرسم ويطبع افكاره وقراراته، وحمله مرات ومرات على التفكير بالسفر والعمل بعيداً من لبنان. في حديثه الى "الحياة" قال بديع: "مع دخولنا قسم التمثيل في الجامعة، نتعرف الى ثابتتين لا يمكن تحويلهما: مسرح نخبوي بمعناه الاكاديمي الصرف وهو الاساس، ومسرح تجاري لا يبغي الا الربح المادي وهو اقصى درجات الهبوط. ثابتتان جعلتاني اعيش في تناقض كبير، لأنه بين هذه وتلك كنت ارى الواقع، وفي ذهني ترجمة واحدة للمسرح: هو المسرح الذي يحرك مشاعر من يشاهده وأفكاره بقالب اساسه الترفيه ويطاول اكبر شريحة من الناس ضمن مضمون صادق بعيد من الادعاء مسرح زياد الرحباني على سبيل المثال. غير ان ما كان ولا يزال يضرب لبنان هو مسرح تجاري صرف، هذا إن انتجت مسرحية بين الحين والآخر". هذا الواقع حمل أبو شقرا على العمل في دبلجة المسلسلات المكسيكية والصور المتحركة، قبل ان تبدأ رحلته التي لم تنته بعد في مجال التلفزيون مع الكاتب مروان نجار. فكانت مشاركته في "مواسم خير" وحلقات من "طالبين القرب" و"لمحة حب"، تخللتها مشاركة له في مسلسل "نورا" للكاتب شكري انيس فاخوري و"الشوهاء" للمخرج الراحل انطوان ريمي. لكن أبو شقرا ومن خلال عمله مع نجار، طبع صورته في اذهان المشاهدين كجزء من مجموعة تتناوب على تأدية الادوار مسلسلاً بعد آخر. ويشير في هذا الخصوص الى ان "اهمية عمل المجموعات تكمن في تناغم افكار الفريق وتمازجها عملاً بعد عمل. ويجب استثمار نجاح اي مجموعة طالما انه يحقق الاهداف المرجوة في ترجمة النص والشخصيات. لذلك قمت بتصوير فيلم سينمائي سيعرض قريباً في الصالات اللبنانية، من تأليف مروان نجار وبطولة فيفيان انطونيوس وكارمن لبس... بعنوان "احبيني". ويعتبر أبو شقرا ان السينما اللبنانية لم تتخط مرحلة التجارب بعد، "معظمها تجارب فرنسية - لبنانية، لا تحاكي الجمهور العريض". ويرى ان عوامل عدة تعوق انتاج الدراما اللبنانية، اولها "الانتجاتات الضعيفة لغياب الايمان بالدراما من جهة والتي باتت تشكل صناعة في سورية وعدم تولي الرجل المناسب المكان المناسب في هذا المجال من جهة ثانية". ومن العوامل التي يعددها أبو شقرا استحالة معالجة الواقع في الدراما اللبنانية بالشكل المطلوب: "اولاً، لا يمكننا طرح مسألة الطائفية، علماً ان البلد يتخبط بها وهي جزء من واقعنا، فلا يمكننا حتى تسمية شخصية بجورج او احمد. ثانياً تواجهنا مشكلة الرقابة، ان كانت الرقابة الغبية التي تفرض مثلاً ترجمة قول احد الممثلين بالانكليزية "أنا يهودي" الى "انا رجل من غير دينكم" بالعربية، او رقابة الشعب التي لا ترحم والتي ترفض قبول الآخر. والاهم من ذلك من اي وجهة نظر سنناقش التاريخ في المسلسلات التاريخية ونحن لم نتقف على صيغة واحدة لكتاب التاريخ لتدريسه في المدارس. فقد حذف مشهد من مسلسل "نورا" قبل تسليمه للرقابة، لأنه يعالج مسألة الاحزاب ونشاطها خلال فترة الانتداب الفرنسي. يضاف الى كل هذا، افتقارنا الى الخصوصية اللبنانية، لجهة العادات والتقاليد العامة او الخاصة بكل منطقة او طائفة". وفكر أبو شقرا بالسفر لمتابعة دراسته في مجال الدراما، لكنه تراجع عن قراره هذا "من الخطأ ان اقف عند ما وصلت اليه وأرحل، اذ يجب ان استثمر نجاحي، علماً ان مشروع السفر ما زال قائماً لأنني اخاف من ان يبدأ العد العكسي". مع مرارة واقع التمثيل في لبنان، كانت لبديع تجربة في الكتابة، لم يكن ليقرأها الجمهور لولا اصرار والده: "هو ليس كتاب شعر ولا كتاب نثر ولا حتى كتاب خواطر، انه كتاب مواقف من مواضيع وأحداث وأشخاص كتبت منذ ثماني سنوات، اعطيته عنوان "الرجل الذي رقص" لأن الرقص هو الحياة والرجل يرقص حياته بخطوات ثابتة او متعثرة، كما ان الرقص استمتاع وخطوات متناغمة مع شريك". هذا الكتاب الذي وقعه الممثل - الكاتب ب"الحياة هوايتنا سنعيشها بحرية" ورسم صوره بريشته، ستليه رواية لم تنته كتابتها بعد. هكذا رسم الواقع بديع أبو شقرا ممثلاً، كاتباً، وصاحب محاولات في الرسم.