العالم المرجعي الذي يمتح منه القاص المصري احمد الشريف ويحيل اليه في مجموعته القصصية "مسك الليل" دار ميريت، القاهرة 2002 هو عالم المهمشين والبسطاء والضحايا الذين يعيشون على هامش الهيئة الاجتماعية، ولا شيء يشير الى حضورهم فيها سوى وجودهم الفيزيائي الضئيل على الهامش وفي الظل. وهو عالم مفكك يختلط فيه الواقع بالاسطورة، والمألوف بالغرائبي، هو عالم القاع تطفو شخصياته على سطح القصة، فتأتي انعكاساً لهذا العالم على مستويي المضمون والشكل، ولذلك لا غرو ان يكون التفكك السمة الابرز في نص احمد الشريف، فيعبر عن الهامش الاجتماعي ذي الصلة الواهية بمتن الحياة، ببنية قصصية غير مترابطة، محققاً بذلك التلاؤم بين ماهية القصة وكيفيتها، بين القول والخطاب. وهكذا، تبدو القصة الاولى في المجموعة "جنة وعفريت مسروق" مجموعة مشاهد متقطعة مستلة من الطفولة لا يربط بينها سوى انتمائها الى هذه المرحلة العمرية، وتحيل الى بيئة شعبية تحفل بالغيبيات وحكايا الجن والعفاريت وزيارة المشايخ، وتنطوي على مقاربة مختلفة للطفولة، ففي حين يحن كثيرون الى هذه المرحلة تبدو طفولة السارد مرادفة للظلام والخوف من المدرسة، فيقرر في نهاية القصة التحرر من عقدة الطفولة. وما يصح على هذه القصة غير المتماسكة ينسحب على القصة الثانية "حلم ازرق... بشارة بيضاء"، فإذا هي مجموعة مشاهد متجاورة لشخصيات - ضحايا، الرابط الوحيد بينها شهادة السارد عليها، ويتجاور في القصة رجب عبدربه الفقير الغلبان الذي يسعى للاستدانة كي يشتري حجارة للراديو تمكنه من سماع ام كلثوم فيهرب من واقعه الى صوتها، مع عز البيومي الحزين الشارد، مع جبر المرمش وعلي التلتاوي المعتوهين المشردين، مع السارد نفسه الضحية هو الآخر. غير ان افتقار القصة عند احمد الشريف الى الترابط الفني لم يحل دون التلاؤم بين الاطار الخارجي للأحداث والصورة التي تظهر فيها. وهو غالباً ما يمهد للقصة باطار مناسب من مكان وأشياء، ويقيم علاقة جدلية بين الخارج والداخل، بين الاطار والصورة. والكلام على القصتين السابقتين ينسحب على ثالثة هي "فيلكسيا" التي لا تعدو كونها مجموعة مشاهد من الحياة مسموعة او مرئية او مما تقع عليه الحواس، ينتقل فيها القاص من مشهد الى آخر من دون سبب، ويربط بينها فقط ان السارد شاهد عليها وانها متموضعة في حيز واحد هو صفحات القصة، وكأن الشريف في هذه القصة يمارس تقنية "الكولاج" المقتبسة من الفن التشكيلي... واذا كان القاع الاجتماعي الذي يمتح منه الكاتب يحفل بالغيبيات والغرائب، فإنه من الطبيعي ان يجاور في قصص اخرى بين الواقعي والغرائبي، فيروح السارد في القصة الرابعة "سرّة امرأة" يبحث عن امرأة عارية "سرتها قمر ينير ما حولها"، رآها عند الشلالات وحاول القبض عليها فاختفت ويواصل البحث عنها غير انه لا يجدها، ولعل المرأة العارية في القصة ترمز الى مجهول ما او حقيقة ما تعصى على القبض، وتؤشر الى حضور الغيب في حياة السارد. هذا الواقع الغرائبي نقع عليه في قصتين اخريين هما "طيف رجل... ظل امرأة" حيث تقول القصة مجموعة مشاهد عبثية لشخصين غريبي الاطوار، و"بيلانسي" حيث يشترك الحيوان مع الانسان في علاقة مع فتاة واحدة. وعلى رغم ان التفكك والتجاور والمجانية سمات مشتركة بين القصص الآنفة الذكر، والاستطراد المخل سمة القصة السادسة في المجموعة "تعويض" حيث يقحم السارد قصة حب في سياق حديثه عن رجل مولع بالكلاب من دون اي مناسبة، فإن قصة واحدة في "مسك الليل" تبدو على قدر من النضج الفني والتماسك هي قصة "يا وجعك يا عم توفيق" التي يرصد فيها القاص جوانب من حياة شخصية قروية تعكس الطيبة والمروءة والظرف وحب الناس والحياة والمشاعر الرهيفة الصادقة، ولعل منشأ التماسك في هذه القصة يعود الى تمحورها حول شخصية واحدة، وتناولها صفات متناسبة لها، والى المزاوجة بين الخارج والداخل والتلاؤم بين الاطار والصورة. ولئن استثنينا هذه القصة المتماسكة فنياً، يمكن القول ان في مجموعة احمد الشريف قدراً كبيراً من التجريب، ولعله يكتب القصة على غير مثال، وينحو منحى مجانياً في كتابته يطيح بما تعارف عليه الناس من عناصر القصة، وفي هذه الحال هل نوسّع المصطلح لتدخل نصوص الشريف تحته فنعتبرها قصصاً قصيرة ام نضيّقه فنخرج معظم النصوص منه؟ ذلك سؤال تطرحه المجموعة.